أن الرجم هو الحد -أي: العقوبة القانونية- للزنا بعد الإحصان. والرجم باعتباره حد للزنا بعد الإحصان مازال أمرًا مجمعًا عليه بين الصحابة والتابعين، حيث لا نكاد نجد لأحد منهم قولًا يدل على أنه كان في القرن الأول رجل له الشك في كون الرجم من الأحكام الشرعية الثابتة. ثم ظلت فقهاء الإسلام في كل عصر وفي كل مصر، مجمعين على كونه سُنَّة ثابتة بأدلة متضافرة قوية لا مجال لأحد من أهل العلم أن يشك في صحتها.
ولم يخالف الجمهور في هذه القضية إلا الخوارج وبعض المعتزلة، على أنه ما كان الأساس لمخالفتهم أن يكونوا قد شخصوا ضعفًا في ثبوت حكم الرجم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قالوا: إن الرجم باعتباره حدًا للزاني المحصن مخالف للقرآن. والحقيقة أن ليس ذلك إلا لخطأ فهمهم للقرآن. قالوا: إن القرآن يبين مائة جلدة حدًا عامًا لكل زان وزانية فليس تخصيص الزاني المحصن من هذا الحكم العام إلا مخالفة للقرآن. ولكنهم ما تنبهوا إلى أن الوزن القانوني الذي هو لألفاظ القرآن، هو نفسه لشرحها الذي يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشرط ثبوته عنه.
ألا ترى أن القرآن قد جاء بمثل هذه الألفاظ المطلقة عندما بيَّن حد السارق والسارقة فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، ونحن إذا لم نجعل هذا الحكم مقيدًا بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من شرحه، فمن عين ما يقتضيه عموم هذه الألفاظ أن نحكم بالسرقة على كل من سرق إبرة أو تفاحة -مثلًا- فنقطع يده بل يديه إلى منكبيه، وبالجانب الآخر كل من سرق ولو آلافًا من الجنيهات، ثم تظاهر بالتوبة وإصلاح النفس، فعلينا أن نتركه ولا نمسه بسوء؛ لأن القرآن يقول بعد بيانه حد السارق والسارقة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: 39].
وكذلك أن القرآن إنما يبين حرمة الأم والأخت من الرضاعة، فيجب أن تكون حرمة البنت من الرضاعة مخالفة للقرآن بموجب هذا الاستدلال. والقرآن إنما ينهى عن الجمع بين الأختين، فمن قال بحرمة الجمع بين العمة وبنت أخيها أو الخالة وبنت أختها يجب أن نحكم عليه بمخالفة القرآن. والقرآن إنما يحرم على المرء ربيبته إذا كانت قد تربت في حجره، فيجب أن تكون حرمتها المطلقة مخالفة للقرآن. والقرآن إنما يأذن في الرهان إذا كان الرجل على سفر ولم يجد كاتبًا، فيجب أن يكون جواز الرهان في الحضر ومع وجود الكاتب مخالفة