وليس بحد للزنا بعد الإحصان -أي: ارتكاب الزنا بعد التزوج- الذي هو أشد وأغلظ من الزنا المحض في نظر القانون الإسلامي. والله تعالى نفسه يشير في سورة النساء إلى أنه لا يقرر في سورة النور هذا الحد، إلا للزنا الذي يكون كل من مرتكبيه غير متزوج. فقد قال أولًا في سورة النساء: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} ثم قال بعده بيسير: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ (25)} {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25].
فالآية الأولى تتضمن التوقع لحكم من الله سينزله في المستقبل لعقوبة الزانيات اللاتي يأمر الآن بإمساكهن في البيوت. ونعلم بذلك أن هذا الحكم الأخير الذي جاء في سورة النور هو الحكم -أو السبيل- الذي كان وعد به الله -سبحانه وتعالى- في سورة النساء. وفي الآية الثانية جاء بيان حد الزانية من الإماء المتزوجات وكما قد جاءت لفظة المحصنات في آية واحدة وسياق الكلام بعينه مرتين فلابد أن يكون معنى المحصنات واحدًا في الموضعين.
فإذا نظرت الآن في بدء الجملة حيث قيل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} علمت أن ليس المراد بالمحصنة في هذه الآية امرأة متزوجة بل امرأة حرة غير متزوجة. وقيل في ختام الجملة أن الأمة إذا أتت بفاحشة -أو زنت- فعقوبتها نصف عقوبة المحصنة. والذي يدل عليه سياق الكلام أن المراد بالمحصنة في هذه الجملة نفي المعنى المراد في الجملة السابقة؛ أي: (امرأة حرة غير متزوجة ولكن محصنة بعفافها وحفظ أسرتها). فهاتان الآيتان معًا تشيران إلى حكم أن حد الزنا في سورة النور، وهو الذي كان الوعد جاء به في سورة النساء إنما يبين حد الزاني والزانية غير المتزوجين.
أما ما هو الحد للزنا بعد الإحصان بالزواج، فهذا أمر لا نعرفه من القرآن بل نعرفه من سُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت بغير واحدة ولا اثنتين من الروايات الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما اقتصر على بيان حد الزنا للمتزوجين والمتزوجات بأقواله فحسب، بل قد أقام هذا الحد فعلًا في غير واحدة من الأقضية المرفوعة إليه وهو الرجم. ثم أقامه بعدُ خلفاؤه الراشدون -رضي الله عنهم- في عهودهم، وأعلنوا مرارًا