جهته، فيأتي به العبد على ما رسم له. . . وهذا بخلاف حقوق المكلفين فإن أحكامها سياسية شرعية، وضعت لمصالحهم فكانت هي المعتبرة وعلى تحصيلها المعول. . . ولا يقال: إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته؛ لأنا قد قررنا أن رعاية المصلحة من أدلة الشرع وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل النافع" (?).

ويسوق لرأيه هذا عددًا من الأدلة منها (?):

1 - أن النصوص إجمالًا وتفصيلًا قد بيَّنت أن مقصود الله -عز وجل- من تشريع أحكامه تحقيق المصلحة ورفع الحرج. من ذلك مثلًا قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال -عليه السلام-: "الدين يسر" وقال: "بعثت بالحنيفية السمحة".

2 - حديث: "لا ضرر ولا ضرار" وهو واضح الدلالة في نفي الضرر والمفسدة وتقديم المصلحة على جميع أدلة الشرع، فإذا تضمنت بعد أدلة الشرع ضررًا كان لابد عملًا بهذا الحديث من إزالة ذلك الضرر.

3 - أن النصوص متعارضة مختلفة فلهذا تكون سببًا للخلاف والتفرق، أما المصلحة فأمر حقيقي لا يختلف فيه ولهذا فهي أولى بالتقديم على النصوص.

4 - أن المصلحة دليل متفق عليه أما الإجماع فدليل مختلف حوله فالتمسك بالمتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه.

وهذا مجمل ما عند الطوفي من أدلة على رأيه، ولكن تحليل هذه الأدلة بكل روية وتمعن يظهر فيها ضعفًا وتناقضًا لا يخطئه من له أدنى إدراك بالأدلة وطرق مناقشتها.

1 - فمما لا يختلف فيه اثنان أن النصوص دلت عمومًا وتفصيلًا أن أحكام الشريعة غايتها المصلحة، ولكن هذا دليل إثبات أنه حيثما وجد النص فثم المصلحة، والله أراد من النصوص اليسر ولم يرد بها العسر، وكل نصوص الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015