فمن هو الطوفي هذا؟ وما رأيه الذي شذ به عن بقية الفقهاء؟

تذكر المصادر التي ترجمت لحياة الطوفي أنه كان من الفقهاء الحنابلة، وتصفه بالعدل والصلاح والفضل، ولكن هذه المصادر ذاتها تلقي ظلالًا على انحراف منهجه في التفكير، وتتهمه بالتشيع والرفض وسب الصحابة، وتجعل ذلك سببًا للثائرة التي ثارت عليه حين كان في القاهرة، ومنها نفي إلى بلدة صغيرة. وإذا كان البعض يشكك في صحة ما اتهم به ويبرئ ساحته، إلا أن كل الكتابات قديمًا وحديثًا تتفق على أن رأيه في المصلحة رأي شاذ، لم يعرف قبله ولم يتابعه فيه أحد بعده إلا بعض المعاصرين (?)، وقد يكون الشذوذ وحده ليس عيبًا وإن كان في الغالب دليل الخطأ، فهل كان رأي الطوفي في المصلحة مع كل تلك الظلال القاتمة في حياته ومع ذلك الشذوذ رأيًا صائبًا أم كان رأيًا لا وزن له؟

أوضح الطوفي رأيه في المصلحة في ثنايا شرحه لأحد الأحاديث الأربعينية وهو حديث: "لا ضرر ولا ضرار" (?) وخلاصة رأيه أن المصلحة أقوى مصادر التشريع، بل هي أقوى من النص والإجماع، وأنه في غير دائرة العبادات والمقدرات فإن المصلحة تقدم على النص والإجماع إذا عارضتهما.

يقول: "واعلم أن هذه الطريقة التي ذكرناها مستفيدين لها من الحديث المذكور -حديث: "لا ضرر ولا ضرار"- ليست هي القول بالمصالح المرسلة على ما ذهب إليه مالك، بل هي أبلغ من ذلك، وهي التعويل على النصوص والإجماع في العبادات والمقدرات، وعلى اعتبار المصالح في المعاملات وباقي الأحكام. . . فالمصلحة وباقي أدلة الشرع إما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا فبها ونعمت، وإن اختلفا وتعذر الجمع بينهما قدمت المصلحة على غيرها. . . وإنما اعتبرنا المصلحة في المعاملات ونحوها دون العبادات وشبهها؛ لأن العبادات حق للشرع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كمًا وكيفًا وزمانًا ومكانًا إلا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015