وثانيهما: أن من بعض ما ظن الناس فيه تناقضًا مع ما عندهم من المعرفة في عصرهم، قد ظهر خطؤه في هذا العصر، مع تقدم العلم، ومن ذلك الأمر بغسل الإناء الذي يلغ فيه الكلب. وقد نقل الخطابي من علماء القرن الرابع الهجري اعتراضًا على أحد الأحاديث فقال: "اعترض بعض سخفاء الأطباء على حديث إبراد الحمى بالماء بأن قال: اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك؛ لأنه يجمع المسام ويحقن البخار، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون ذلك سببًا للتلف". ثم رد الخطابي على ذلك بأن قال: "وإنما أوقعه ذلك جهله بمعنى الحديث، والجواب أن هذا الإشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر، فيقال له أولًا: من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية". . . إلى أن قال: "وإنما قصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعمال الماء على وجه ينفع، فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به" (?).

ولا أظننا في هذا العصر الذي أصبح فيه إبراد الحمى بالماء طريقة طبية مستخدمة، نقابل ذلك الاعتراض المثار، بغير السخرية من جهل صاحبه، وجنايته على الطب وعلى الدين. وفي حقيقة الأمر فإن الطب النبوي كله يحتاج لدراسة دقيقة، وربما توصل الناس عن طريق البحث والتجارب إلى اكتشافات عظيمة، ولو كانت هذه الثروة العلمية عند الغربيين لأفادوا منها كثيرًا ولكن المسلمين اليوم متأخرون متخلفون في كثير من مجالات الحياة.

الحجة الخامسة: تصرفات الرسول بالرسالة وبالإمامة والقضاء:

قسم الإمام القرافي تصرفات الرسول إلى أنواع، تصرفات بوصفه رسولًا، وبوصفه مفتيًا، وبوصفه قاضيًا، وبوصفه إمامًا (رأس دولة) (?)، وقد ذهب من احتج بهذا التقسيم إلى أن تصرفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في القضاء والإمامة ليست من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015