1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصدر منه أمر للقوم بترك التلقيح ولم يصدر منه خبر أن التلقيح مفيد أو غير مفيد، بل هو قد ظن ظنا وأساء القوم فهم هذا الظن فتركوا التلقيح بناء عليه. يقول ابن تيمية موضحًا ذلك: ". . . والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينههم عن التلقيح، ولكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم، كما غلط من غلط في ظنه أن الخيط الأبيض والخيط الأسود هو الحبل الأبيض والأسود" (?).
ويؤكد النووي هذه الحقيقة فيقول: ". . . قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبرًا، وإنما كان ظنًا كما بينه في هذه الروايات" (?). والروايات التي يشير إليها النووي هي ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أظن يغني ذلك شيئًا. ." فأخبروا بذلك فتركوه، وحين لم يثمر النخل قال: "إن كان ينفعهم فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن".
2 - جاء في روايات هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضاف قائلًا: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" وتضيف رواية أخرى أنه قال: "إذا كان شيئًا من أمر دنياكم فشأنكم به وإذا كان شيئًا من أمر دينكم فإلي".
فماذا يقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأمور الدنيا؟
لدينا على الأقل مثال واحد عن المقصود بأمور الدنيا لا يثور حوله جدل، وهو تلقيح النخل، حتى هذا المثال الوحيد لم يصدر عن النبي فيه خبر صريح أو أمر جازم، وهكذا الحال في أقرب الأمور شبهًا بتلقيح النخل من أمور الفلاحة وما شابها، فإننا لا نجد خبرًا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية خياطة الملابس مثلًا، أو عن كيفية صنع السيوف والدروع، وعن كيفية طبخ الأطعمة أو نصب الخيام، أو أمثالها من معايش الدنيا. فلما لم نجد ذلك علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن مهمته أن يبين هذه الأمور، وإنما مهمته أن يبين أمور الدين ولهذا قال لهم: "إذا كان شيئًا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئًا من أمر دينكم فإلي" وقال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
فكل ما بيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجاءت به سُنَّته، فهو من أمور الدين، وأما