لصلح" فخرجت شيصًا (الشيص هو التمر الرديء) فمر بهم فقال: "ما لنخلكم" قالوا: قلت: كذا كذا قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (رواه مسلم) (?).
4 - عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع أصواتًا، فقال: "ما هذه الأصوات؟ " قالوا: النخل يؤبرونه يا رسول الله، فقال: "لو لم يفعلوا لصلحٍ"، فلم يؤبروا عامئذ فصار شيصًا، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإذا كان شيئًا من أمر دينكم فإليَّ" (رواه أحمد بن حنبل) (?).
ويقول الدكتور العوا عن هذا الحديث:
"ولو لم يكن غير هذا الحديث الشريف في تبيين أن سُنَّته - صلى الله عليه وسلم - ليست كلها شرعًا لازمًا وقانونًا دائمًا لكفى. ففي نص عبارة الحديث بمختلف رواياته تبين أن ما يلزم اتباعه من سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان مستندًا إلى الوحي فحسب، وذلك غالبه متعلق بأمور الدين وأقله متعلق بأمور الدنيا، وليس أوضح في الدلالة على هذا من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر" "وأنتم أعلم بشؤون دنياكم" وكان بوسعه أن يقول: إني لا خبرة لي بالنخل -إذ ليس في مكة نخل- أو لا أحسن الزراعة فبلدي واد غير ذي زرع، ولكنه -عليه الصلاة والسلام- تخير أحسن العبارات وأجمعها، وجل من حديثه في هذه المسألة الجزئية، قاعدة كلية عامة، مؤداها أنه في ما لا وحي فيه من شؤون الدنيا فالأمر للخبرة والتجربة والمصلحة، التي يحسن أرباب الأمر معرفتها دون من لا خبرة له به. فلم يكن الجواب قاصرًا على مسألة تلقيح النخل وإنما جاء شاملًا لكل أمر مما لم يأت فيه وحي بقرآن أو سُنَّة" (?).
وفهم الحديث على هذا النحو قال به أيضًا سيد خان وعدد من المعاصرين، وتوسع فيه بعضهم حتى حصر الدين في العقائد والعبادات فقط، وللمرء أن يسأل هنا هل كان الناس يفهمون الحديث على هذا النحو قبل هؤلاء؟
من مطالعة شروح هذا الحديث والتعليقات عليه (?)، ومن التأمل في رواياته تتجلى الأمور التالية: