ومن هذه الإيضاحات يكون قد تبين وجه الخطأ في منهج العصرانية في تفسير القرآن، وهو أن المعاني الثرة الجديدة التي تتكشف للإنسان كلما ازداد معرفة بالكون وآفاقه، لا يمكن أن تناقض وتعارض المعاني الأساسية التي فهمها المفسرون الأوائل، ذلك أن تلك المعاني لم يكن مصدرها المعرفة البشرية، بل كان أساسها الفهم النبوي الكريم للقرآن. وبسبب الاعتماد على معارف البشر العصرية وحدها وفيها ما فيها من القصور والأخطاء، وبسبب إهمال تفاسير الأولين، وقعت العصرانية في انحرافات شنيعة في التفسير، وحسبنا أمثلة على ذلك تفسير سيد خان، ومحمد عبده، ومحمد أسد.

هل هناك منهج نقد حديث للسُّنَّة؟

تقر العصرانية عمومًا بالسُّنَّة مصدرًا من مصادر التشريع، ولكنها تثير اعتراضات عديدة في وجه الحديث النبوي مما يجعل إقرارها نظريًا بحتًا. والذي يبحث في هذه الاعتراضات يجدها ادعاءات معادة ومكررة، منذ قرون الإسلام الأولى على أيدي الخوارج والشيعة والمعتزلة، وعلى أيدي المستشرقين وتلاميذهم في عصرنا الحاضر. فالاعتراض بتأخر كتابة الحديث وبتدوينه في عصر الاضطرابات السياسية مما يضعف الثقة والاعتماد على هذا التدوين؛ والاعتراض بأن المحدثين اهتموا بنقد سند الأحاديث فقط ولم يهتموا بنقد المتن؛ والاعتراض بأن الأحاديث التي يثبت المحدثون صحتها فيها ما يناقض القرآن؛ أو ما يناقض بعضها بعضًا؛ أو ما يناقض العقل والتجربة والعلوم البشرية؛ أو ما يناقض حقائق التاريخ الثابتة؛ والاعتراض بأن أحاديث الآحاد لا تقوم بها حجة (?)؛ وأمثالها من الاعتراضات كلها ادعاءات مشهورة ومعروفة؛ وتوفرت للرد عليها ونقدها كتب قديمة (?)، ولا يتسع المجال هنا لتمحيص هذه الاعتراضات وإثبات ما فيها من أخطاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015