ولكن من أكبر دعاوى العصرانية دعوى أن مهمة المسلمين اليوم استخدام ما يسمى مقاييس النقد العصري على الأحاديث واستعمال المناهج الحديثة في توثيق النصوص وتحليل الحديث النبوي على ضوء ذلك، فلا يقبل منه إلا ما أثبتت المقاييس الحديثة صحته وسلامته، وبما أن هذا الموقف من الحديث النبوي موقف قوي الصلة بالفكرة الأساسية التي يقوم عليها بنيان العصرانية، وهي رفع شعار العصرانية والحكم على التراث في ضوء المعارف الحديثة، فلهذا كان لابد من إلقاء نظرة فاحصة هل هناك حقيقة منهج نقد حديث للأحاديث النبوية؟

لعل الأوفق أن نعطي أولًا لمحة عن منهج علماء الحديث في نقد الحديث، ثم نتناول الإجابة على السؤال المطروح. فمن المعروف أن نقد السُّنَّة يقوم على دعامتين: نقد السند ونقد المتن. أما نقد سند الحديث فهو نقد أهلية الرجال الذين نقلوا الحديث، والمقصود منه التحقق من أن الناقل للحديث يحمل من المؤهلات ما تجعلنا نثق في خبره، وأهم هذه المؤهلات أمران: صدق الحديث ويستدل على ذلك بسيرته وحسن أخلاقه واستقامة سلوكه وهو ما يسميه علماء الحديث بالعدالة، وثانيهما أن تكون ذاكرته قوية إذا كان ينقل الحديث من حفظه، أو يكون المصدر الذي ينقل منه موثوقًا به إذا كان يحدث من كتاب، وهذا ما يسميه علماء الحديث بالضبط "ويلاحظ الباحث المتفحص أن الأسس والأركان الأساسية لعلم الرواية ونقل الأخبار، موجودة في الكتاب العزيز والسُّنَّة النبوية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وجاء في السُّنَّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نضّر الله امرأ سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع" (الترمذي كتاب العلم وقال عنه: حسن صحيح) ففي هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف مبدأ التثبت في أخذ الأخبار وكيفية ضبطها بالانتباه لها ووعيها والتدقيق في نقلها للآخرين" (?).

أما نقد المتن فهو نقد محتوى الحديث وقد اهتم به علماء الحديث، ووضعوا له قواعد وردوا بها كثيرًا من الأحاديث الموضوعة. وقد لخص الأستاذ مصطفى السباعي في كتابه القيم "السُّنَّة ومكانتها من التشريع الإسلامي" هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015