أشكل عليه منه. ومن المؤكد أن بين أيدينا اليوم مفهوم القرآن السليم الذي أدركه النبي - صلى الله عليه وسلم - (?) لم يضع منه شيء. وهذا المفهوم السليم هو الذي ضمته كتب التفاسير التي بين أيدينا، والتي ضمت التفسير المأثور عن الصحابة والتابعين وإلا فأين يوجد؟
أثر المعرفة البشرية في فهم القرآن:
تتقدم المعارف البشرية المعتمدة على تجارب البشر الذاتية، وتزداد في كل يوم، وتكشف تبعًا لذلك أخطاء في معارف العصور الماضية، فهل يؤثر ذلك في فهم القرآن؟ وهل تتغير معاني القرآن تبعًا لتغير المعرفة البشرية المتاحة في كل عصر؟
من المعلوم أن القرآن قد اشتمل على جوامع الكلم، فالعبارة الوجيزة منه بل الكلمة الواحدة تحمل معنى كليًا وجامعًا، وهذا المعنى الكلي الأساسي يتسع للفهم، كلما ازداد التفكير فيه، وكلما ازدادت معارف البشر وازدادت تجاربهم، ولكن مما ينبغي التنبه له أن جميع المعاني الجديدة تنبع من ذلك المعنى الكلي الأساسي، ولا تناقضه ولا تخالفه، وإلا فلن تكون فهمًا صحيحًا للقرآن الكريم. قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].
فكلما ازدادت معرفة البشر بالكون والآفاق، وبأقطار السموات والأرض وبأنفسهم، وبحوادث التاريخ ووقائعه، كلما تبينت أكثر فأكثر حقائق القرآن (?).
يقول المودودي عن ذلك:
"إنه ما من ريب في أن الإنسان على قدر ما يزداد علمًا بالكون وحقائقه، يزداد بصيرة وعمقًا في مفاهيم القرآن، ولكن لا يدل ذلك على أنه بهذا الطريق يصير أكثر علمًا بالقرآن حتى من محمد - صلى الله عليه وسلم - وتلاميذه المرتشفين بمناهل علمه مباشرة، ولا على أن أحدًا إذا تلقى قدرًا وافرًا من علم الفلك والطبيعيات والكيمياء وما إليها، فالمحتوم أن يعد من أكثر الناس وأحسنهم علمًا بالقرآن" (?).