وعَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] قَالَ: قَدْ قَالَهَا مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ فِي رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا: أَحَدُهُمَا غِفَارِيٌّ وَالْآخَرُ جُهَنِيٌّ، فَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَنِيِّ، وَكَانَ بَيْنَ جُهَيْنَةَ وَالْأَنْصَارِ حِلْفٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: يَا بَنِي الْأَوْسِ، يَا بَنِي الْخَزْرَجِ، عَلَيْكُمْ صَاحِبُكُمْ وَحَلِيفُكُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. فَسَعَى بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مُرْ مُعَاذًا يَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (?)
ومرر بعض الأشياء المرجوحة؛ لأنها أصبحت راجحة بالنظر إلى مصلحةٍ اجتماعية عامة تتحقق للأمة من خلالها.
لكن هنا لابد من التوازن؛ فإنه لا يعني بحالٍ من الأحوال أن يتم تجاهل كثير من المصالح الشرعية المعتبرة رعاية لحال الناس، بحيث يكون المجتمع هو المرجعية في القضايا التي ليست من اختصاصه فليست اجتماعية بحتة، وإنما قد تكون قضايا دينية، أوقد تكون مصلحية لا يدرك هو أبعادها، أو قد يكون المجتمع منشقاً على نفسه، وهنا يصبح ثمت مجال لاختيار الأفضل والأرقى وتبرز فرصة للتصحيح والاستدراك.
إن في المجتمع ما يسمى بالعادات والتقاليد، وهي جزء من النّظام السائد في المجتمع وجزء من العرف القائم المحترم في الأصل، فليس ما يسمى عادة أو تقليداً مذموماً بذاته أو محموداً، بل منها ما هو صالح لأن يستمر ويدوم؛ لأنه يبنى على مسلمات ثابتة ومستقرة، وهذا كثير، ومنها ما يحتاج إلى إزالة أو تعديل.
ففي المجتمعات الإسلامية ما هو صالح بإطلاق مثل: الترابط الاجتماعي، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وصلة القربى، والإحسان إلى الكبار ورعايتهم، والشفقةِ على الصغار، والكرم والجود، والفضائل الأخلاقية العريقة العميقة، التي أصبحت جزءاً من معهودات المجتمع وعاداته، وهي في الأصل ذات أصول شرعية دينية إسلامية.