لو أن إنساناً كان يرفض العمل لوجود أزمة نفسية أو مشكلة أو ضعف أو تحدٍ معين فيرفض العمل، أو يرفض الدراسة، أو يرفض الزواج أو حتى قل يرفض الحياة ويشرع في الانتحار؛ فإن هذه تظل حالاتٍ محدودة التأثير، لكن لو صارت هذه الحالات مبدءاً عاماً للأمة، ورفض الناس كلهم العمل أو الدراسة أو الزواج، أو قام الناس بحفلةٍ جماعية لعملية انتحار شاملة، لكان هذا كارثة مدمرة للأمة، فإنه لا قيمة للأمة بدون حياتها، بدون رباط الزوجية، بدون العمل، بدون التفكير، بدون العلم، بدون الدراسة.

السلطة الثانية: هي سلطة المجتمع

ولا شك أن للمجتمع سلطةً لا يمكن تجاوزها من خلال مجموع العادات والأعراف والمجريات التي تقع فيه، ونجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصّل ذلك، وأحال إليه في بعض المواضع؛ فإنه ترك بناء الكعبة رعاية لحال الناس وشفقة عليهم، فعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:" لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ - لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ " (?)

ومنع من قتل المنافقين لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ - قَالَ سُفْيَانُ: مَرَّةً فِي جَيْشٍ - فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنَ المُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ المُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015