أما المؤسسات التي تعالج، وتنتج الحلول والبرامج من هذه النصوص؛ فإنها تخضع للاجتهاد وليس لها القداسة، وليست نقيضاً للتفكير، أو البحث العلمي، أو التطبيق الفني، أو الإبداع الأدبي؛ ولكنها لا تجعل هذه الآليات المتحدث عنها أهدافاً، وإنما تجعلها وسائل لهدفٍ أسمى وهو الرقي بالأمة وتحقيق ربانيتها والتزامها ومصلحتها.
إننا نجد اليوم من يتحدث عن [الإبداع الأدبي] وكأنه نقيض لمسلمات الدين، ويعتدي على مُسلّمات الأمة بالرواية التي تخاطب الغرائز أو تصور المجتمع على أنه مجموعة من الانحرافات والشذوذات والأخلاق الفاسدة كما نجد في رواية [الخبز الحافي] أو [وليمة لأعشاب البحر] أو [آيات شيطانية] التي تجعل من مقدس الأمة مادة للسّخرية أو العبث.
ما معنى الإبداع الأدبي إذا انفصل عن الأمة، ولم يصب في مصلحتها أو بنائها أوتحقيق أهدافها، بل انشق عليها، وخرج عن نظامها وقانونها!!
كما أن المُسلّمات القطعية القائمة في هذه الأمة؛ ليست محل جدل واجتهاد، ولا يمكن إنتاج ثوابت جديدة؛ لتحقن في وريد الأمة ودمها ووجدانها.
بل المفترض في الثوابت أنها معلومة بالضرورة ولا يجوز لأحد أن يعبث بها أو يجعل ثمت هالة وحالة من الغموض، والتردد، والشك حولها، وأي نقله حضارية للأمة يفترض أن تبدأ بتجديد الثوابت لئلا يتحول الأمر إلى صراع داخلي.
إن الثوابت هي القيم والمبادئ التي يقوم عليها وجود الأمة، وتنطلق منها حياتها العلمية والعملية والأدبية؛ فهي أساس النظام السياسي، وهي منطلق المناهج التعليمية، وهي روح الخطة الإعلامية، وهي سر اجتماع هذه الأمة، وسر شخصياتها وأفرادها وطوائفها وشيعها وأحزابها.
إن وجود فردٍ أو أفراد لا يؤمنون بهذه المرجعية ولا يؤمنون بهوية الأمة ليس مستغرباً؛ فإننا نجد أنه حتى في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هناك المنافقون أفراداً، أو مجموعاتٍ محدودة معزولة، ضعيفة التأثير على مجرى الأحداث، وكانوا يعاملون ظاهراً على أنهم أفراد من ضمن هذه الأمة، لكن فرقٌ بين هذا وبين أن يتحول الشك في القيم والمبادئ والثوابت إلى قاعدة عامة، وإلى خطاب عام، وإلى حوار لا ينتهي على مرأى ومسمع من أفراد الأمة.