وما شك رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيما أوحي إليه، ولا امترى - وهو على بينة من ربه - ولكن هذا التوجيه الرباني عقب حشد هذه الدلائل والشواهد يشي بما كان يخالج نفس رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - من ضيق وتعب ووحشة من جراء تجمد الدعوة وكثرة المعاندين، تحتاج كلها إلى التسرية عنه بهذا التوجيه والتثبيت. وكذلك ما كان يخالج قلوب القلة المسلمة من ضيق وكرب يحتاج إلى برد اليقين يتنزل عليهم من ربهم الرحيم.
وما أحوج طلائع البعث الإسلامي وهي تواجه مثل تلك الحال في كل مكان ويتآزر عليها الصد والإعراض، والسخرية والاستهزاء، والتعذيب والإيذاء والمطاردة بكل صورها المادية والمعنوية وتتضافر عليها كل قوى الجاهلية في الأرض من محلية وعالمية وتسلط عليها أبشع ألوان الحرب وأنكدها ثم تدق الطبول وتنصب الرايات لمن يحاربونها هذه الحرب ومن يطاردونها هذه المطاردة ...
ما أحوج هذه الطلائع إلى تدبر هذه الآية بكل فقرة فيها، وبكل إشارة، وبكل لمحة فيها وكل إيماءة! ما أحوجها إلى اليقين الذي يحمله التوكيد الرباني الحكيم: «فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» ..
وما أحوجها إلى أن تجد في نفوسها ظلالا لما كان يجده الرسل الكرام صلوات اللّه عليهم وسلامه من بينة من ربهم، ومن رحمة لا يخطئونها ولا يشكون فيها لحظة ومن التزام بالمضي في الطريق مهما تكن عقبات الطريق: «قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ؟ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ» ..
إن هذه الطلائع تتصدى لمثل ما كان يتصدى له ذلك الرهط الكريم من الرسل - صلوات اللّه وسلامه عليهم جميعا - وتجد من الجاهلية مثلما كانوا يجدون .. لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كلها بهذا الدين فواجهته بجاهليتها التي صارت إليها بعد الإسلام الذي جاءها به من قبل إبراهيم وإسماعيل