وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويحيى وعيسى، وسائر النبيين!
إنها الجاهلية التي تعترف بوجود اللّه - سبحانه - أو لا تعترف. ولكنها تقيم للناس أربابا في الأرض يحكمونهم بغير ما أنزل اللّه ويشرعون لهم من القيم والتقاليد والأوضاع ما يجعل دينونتهم لهذه الأرباب لا للّه .. ثم هي الدعوة الإسلامية للناس كافة أن ينحوا هذه الأرباب الأرضية عن حياتهم وأوضاعهم ومجتمعاتهم وقيمهم وشرائعهم، وأن يعودوا إلى اللّه وحده يتخذونه ربا لا أرباب معه ويدينون له وحده. فلا يتبعون إلا شرعه ونهجه، ولا يطيعون إلا أمره ونهيه .. ثم هي بعد هذه وتلك المعركة القاسية بين الشرك والتوحيد. وبين الجاهلية والإسلام. وبين طلائع البعث الإسلامي وهذه الطواغيت في أرجاء الأرض والأصنام! ومن ثم لا بد لهذه الطلائع من أن تجد نفسها وموقفها كله في هذا القرآن في مثل هذا الأوان .. وهذا بعض ما نعنيه حين نقول: «إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة. ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها، وإن الذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئا في هذه القعدة الباردة الساكنة، بعيدا عن المعركة، وبعيدا عن الحركة ... » (?).
وقال تعالى: «وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ. أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ. أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ» ..
«وَتِلْكَ عادٌ» .. بهذا البعد. وقد كان ذكرهم منذ لحظة في السياق، وكان مصرعهم معروضا على الأنظار .. ولكنهم انتهوا وبعدوا عن الأنظار والأفكار ..
«وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ» .. وهم عصوا رسولا واحدا. ولكن أليست هي رسالة واحدة جاء بها الرسل جميعا؟ فمن لم يسلم لرسول بها فقد عصى الرسل جميعا. ولا ننسى أن هذا الجمع في الآيات وفي الرسل مقصود من ناحية أسلوبية