إلى المحابِّ، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة، ومن ضيق الجهل إلى سَعة العلم ورَحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصَّمَم والبَكَم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه، ومن أمراض الشبهات إلى بَرد اليقين وثَلَج الصَّدر.

وبالجملة؛ فأصلُ كلِّ طاعةٍ إنما هو الفكر.

وكذلك أصلُ كلِّ معصيةٍ إنما يحدثُ من جانب الفكرة؛ فإنَّ الشيطانَ يصادفُ أرضَ القلب خاليةً فارغة، فيَبْذُرُ فيها حَبَّ الأفكار الرديَّة، فيتولَّدُ منه الإراداتُ والعُزوم (?)، فيتولَّدُ منها العمل. فإذا صادفَ أرضَ القلب مشغولةً ببَذْر الأفكار النافعة فيما خُلِقَ له وفيما أُمِرَ به وفيما هُيِّئ له وأُعدَّ له من النعيم المقيم أو العذاب الأليم لم يجد لبَذْره موضعًا، وهذا كما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرفَ الهوى ... فصادفَ قلبًا فارغًا فتمكَّنا (?)

فإن قيل: فقد ذكرتم الفكرَ ومنفعته وعِظَمَ تأثيره في الخير والشر، فما متعلَّقُه الذي ينبغي أن يُوقَعَ عليه ويجري فيه؟ فإنه لا يتمُّ المقصودُ منه إلا بذكر متعلَّقه الذي يقعُ الفكرُ فيه، وإلا ففكرٌ في غير (?) متفكَّرٍ فيه محال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015