عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48]، وفي الآية الأخرى: {وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 123]، وفي قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، وإثباتهُا في قوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقوله: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87].
فإنه سبحانه نفى الشفاعةَ الشِّركيَّة التي كانوا يعتقدونها وأمثالُهم من المشركين، وهي شفاعةُ الوسائط لهم عند الله في جلب ما ينفعُهم ودفع ما يضرُّهمِ بذواتها وأنفسها بدون توقُّف ذلك على إذن الله ومرضاته لمن شاء أن يَشْفعَ فيه الشافع، فهذه الشفاعةُ التي أبطلَها اللهُ سبحانه ونفاها، وهي أصلُ الشرك كلِّه، وقاعدتُه التي عليها بناؤه، وآخيَّتُه (?) التي يَرجِعُ إليها.
وأثبتَ سبحانه الشفاعةَ التي لا تكونُ إلا بإذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع قولِه وعملِه، وهي الشفاعةُ التي تُنال بتجريد التوحيد، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أسعدُ الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله، خالصًا من قلبه" (?).
والشفاعةُ الأولى هي الشفاعةُ التي ظنَّها المشركون، وجعلوا الشرك وسيلةً إليها.
فالمقامات ثلاثة:
أحدها: تجريدُ التوحيد، وإثباتُ الأسباب، وهذا هو الذي جاءت به الشرائع، وهو مطابقٌ للواقع في نفس الأمر.