بما يحصِّلُه له المَلَقُ (?) من العفو والإحسان.

وهذا في الحيوان البهيم أكثرُ من أن نذكره، فله من تَقْدِمة المعرفة ما يليقُ به، وللخيل والحمَام من ذلك عجائب، وكذلك الثَّعلب وغيره.

فعُلِمَ أنَّ هذا أمرٌ عامٌّ للإنسان والحيوان، أُعطِيَ من تَقْدِمة المعرفة بحسبه، وأسبابُ هذه التَّقْدِمة تختلف.

والأممُ الذين لم يتقيَّدوا بالشرائع لهم اعتبار عظيمٌ بهذا، وكذلك من قلَّ التفاتُه واعتناؤه بما جاءت به الرسل فإنه يشتدُّ التفاتُه ويكثرُ نظرُه واعتناؤه بذلك.

وأمَّا أتباعُ الرسل، فقد أغناهم الله بما جاءت به الرسلُ من العلوم النَّافعة والأعمال الصالحة عن هذا كلِّه، فلا يعتنون به ولا يجعلونه من مطالبهم المهمَّة؛ لأنَّ ما يطلبونه أعلى وأجلُّ من هذا، ومع هذا فلهم منه أوفرُ نصيبٍ بحسب متابعتهم الرسل، من الفراسة الصادقة، والمنامات الصحيحة، والكُشوفات المطابِقة، وغيرها، وهِمَمُهم لا تقفُ عند شيءٍ من ذلك، بل هي طامحةٌ نحو كشف ما جاء به الرسولُ من الهدى ودين الحقِّ في كلِّ مسألة، وهذا أعظمُ الكُشوفِ وأجلُّه وأنفعُه في الدَّارين، مع كشف عيوب النفس وآفات الأعمال.

وأمَّا الكشفُ الجزئيُّ (?) عمَّا أكلَ فلانٌ، وعمَّا أحدثه في داره، وعمَّا يجري له في غدِه، ونحو ذلك؛ فهذا مما لا يعبأ به من علَت هِمَّتُه، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015