وللكلام مع أصحاب الهَيُولى مقامٌ آخرُ ليس هذا موضعه (?)؛ فإنَّ دعوى تركُّب الجسم منهما دعوى فاسدةٌ من وجوهٍ كثيرة، وليس يصحُّ شيءٌ هنا غيرُ الهَيُولى الصِّناعية؛ كالخشب للسَّرير، والطبيعيَّة؛ كالمنيِّ للمولود، وهي المادةُ الصِّناعيةُ والطبيعيَّة، وما سوى ذلك فخيالٌ ومحال، والله المستعان.
عُدنا إلى كلام صاحب الرسالة، قال:
"ومن ذلك (?): زعمُهم أنه إن اتفقَ مولودٌ ابنُ ملكٍ وابنُ حجَّامٍ في البلد والوقت والطالع والدرجة، وكانت سائرُ دلالات السعادة موجودةً في مَولدَيهما، وَجَبَ أن يكون من ابن الملك مَلِكٌ جليلٌ سائسٌ مدبِّر، ومن ابن الحجَّام حجَّامٌ حاذق.
وهذا يُخرِجُ النجومَ عن أن تكونَ تدلُّ على ما يتجدَّدُ من حال الإنسان، ويجعلُها تدلُّ على حِذقه في صناعة أبيه (?) وتقصيره فيها".
قلت: وممَّا يوضِّحُ فسادَ قولهم في ذلك أنَّ بَطْليموس جعَل الكواكبَ الدَّالة على الصِّناعات ثلاثة: المرِّيخ والزُّهَرة وعطارد، وقال: لأنَّ الصناعات العملية تحتاجُ إلى ثلاثة أشياء ضرورةً، أحدها: المعرفة، والثاني: الآلة، والثالث: لطافةٌ (?) في الكفِّ؛ ليخرُج المعمولُ المصنوعُ حسنًا.