ولهذا هو قرينُ الأجل والرِّزق والسَّعادة والشَّقاوة، حيث يستأذنُ المَلَكُ الموكَّل بالمولود ربَّه وخالقَه، فيقول: يا ربِّ، أذكرٌ أم أنثى؟ سعيدٌ أم شقىٌّ؟ فما الرِّزق؟ فما الأجل؟ فيقضي الله ما يشاء، ويكتبُ المَلَك.
ولاستقصاء الكلام في هذه المسألة موضعٌ هو أليقُ بها من هذا، وقد أشبعنا الكلامَ فيها في كتاب "الرُّوح والنفس وأحوالها وشقاوتها وسعادتها ومقرِّها بعد الموت" (?).
والمقصودُ الكلامُ على أقوال الأحكاميِّين من أصحاب النجوم، وبيانُ تهافُتِها، وأنها إلى المُحالات والتخيُّلات أقربُ منها إلى العلوم والحقائق.
وأمَّا قولُ المنتصر لكم: إنَّ الشَّمس إذا كانت مسامتةً للرؤوس كان الحرُّ واليُبس، وهما من طبيعة الذُّكور، وإذا كان القمرُ مسامتًا للرؤوس كان البردُ والرطوبة، وهما من طبيعة الإناث.
فيقال: هذا لا يدلُّ على تأنيث القمر وتذكير الشَّمس بوجهٍ من الوجوه؛ فإنَّ البردَ والرُّطوبةَ يكونان أيضًا بسبب بُعْدِ الشَّمس من المسامتة ومَيْلها عن الرؤوس، وحصولها في البروج الشمالية، سواءٌ كان القمرُ مسامتًا أو غير مسامت، فينبغي على قولكم أن يكون سببُ هذا البرد أنثى، وهذا لا يقولُه عاقل، بل الأسبابُ طبيعيةٌ مِن بَردِ الهواء وتكاثُفه وضعفِ (?) تأثير الشَّمس في تحليل الأبخرة التي تكونُ منها الحرارةُ بسبب بعدها عن الرؤوس،