الزرعُ (?) أكثر، وكلَّما كَثُرَ الزرعُ يكونُ الطَّبخُ غيرَ نضيج، ولحالِ هذه العلة يكونُ زرعُ الذُّكور أرطب، ويكونُ دمُ طَمْثِ النساء من قِبَل الطِّباع عند خروجه أرطبَ أيضًا.
قلت: ومراده بالزرع الماءُ الذي يكونُ من الرجل.
قال: ولحالِ هذه العلة يكونُ طمثُ النساء من قِبَل الطِّباع في نقص الأهلَّة أكثر؛ لأنَّ تلك الأيامَ أبردُ من سائر أيام الشَّهر، وهي أرطبُ أيضًا؛ لنقص الأهلَّة وقلة الحرارة، والشَّمس تصير (?) الصيفَ والشتاء في كلِّ سنة، فأمَّا القمرُ فيفعل ذلك في كل شهر.
فتأمَّل كلامَ الرجل، فإنه لم يتعرَّض لكون القمر ذكرًا ولا أنثى، ولا أحال على ذلك، وإنما أحال على الأمور الطبيعية في الكائنات الفاسدات، وبيَّن تأثيرَ النيِّرين في الرُّطوبة واليُبوسة والحرارة والبرودة، وجعَل لذلك تأثيرًا في الإذكار والإيناث، لا للنجوم والطوالع.
ومع أنَّ كلامه أقرب إلى العقول من كلام المنجِّمين، فهو باطلٌ من وجوهٍ كثيرةٍ معلومةٍ بالحسِّ والعقل وأخبار الأنبياء (?)؛ فإنَّ الإذكارَ والإيناثَ لا يقومُ عليه دليل، ولا يستندُ إلى أمرٍ طبيعي، وإنما هو مجرَّدُ مشيئة الخالق البارئ المصوِّر الذي {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49 - 50]، {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50].