قلنا: هذا تسليمٌ لقول من يقول: إنَّ طالعَ الوقت لا يدلُّ على شيءٍ أصلًا، بل لا بدَّ من رعاية الأحوال الماضية، لكنَّ الأحوال الماضية كثيرةٌ غيرُ مضبوطة؛ فتوقُّفُ دلالة طالع الوقت على اعتبار تلك الأحوال الماضية يقتضي التوقُّفَ على شرائطَ لا يمكن اعتبارُها البتَّة.
وقد ساعدَ أصحابُ الأحكام على الاعتراف بأنَّ الاعتمادَ على طالع الوقت غيرُ مفيد، بل لا يتمُّ الأمرُ إلا عند معرفة طالع الأصل، فطالعِ التحويل، وبرج الانتهاء، ومعرفة التَّسييرات، فعند اعتبار جملة هذه الأمور يتمُّ الاستدلال، ومع اعتبار جملتها وتحريرها بحيث يُؤْمَنُ الغلطُ فيها يكونُ الاستدلالُ على سبيل الظَّنِّ، لا على سبيل القطع.
الوجه الحادي عشر: أنَّا لو فَرضنا جادَّةً مسلوكة، وطريقًا يمشي فيه النَّاس ليلًا ونهارًا، ثم حصل في تلك الجادَّة آبارٌ (?) متقاربة، بحيثُ لا يقدرُ سالكُ ذلك الطريق على سلوكه إلا بتأمُّلٍ كثيرٍ وتفكُّرٍ شديدٍ حتى يتخلَّص من الوقوع في تلك الآبار؛ فإن من المعلوم بالضرورة أنَّ سلامةَ من يمشي في هذه الطريق من العُمْيان لا يكونُ كسلامة من يمشي من البُصَراء، بل ولا بدَّ أن يكون عَطَبُ العُمْيان في ذلك الطريق كثيرًا جدًّا، وأن تكون سلامةُ البُصَراء غالبةً جدًّا.
إذا عرفتَ هذا، فنقول: مثالُ العميان عند الأحكاميِّين: الذين لا يَعْرِفون