فأمَّا تأثيراتُها في حصول الأحوال النفسانيَّة، من الذَّكاء والبلادة، والسَّعادة والشَّقاوة، وحُسْنِ الخلق وقُبحِه، والغِنى [والفقر]، والهمِّ والسرور، واللذَّة والألم = فلو كان معلومًا لكان طريق علمه إمَّا الخبرُ الذي لا يجوزُ عليه الكذب، أو الحسُّ الذي يشتركُ فيه الناس، أو ضرورةُ العقل، أو نظرُه، وشيءٌ لا من هذا كلِّه غيرُ موجودٍ البتَّة؛ فالقولُ به باطل.
ولا يمكنُ الأحكاميِّين أن يدَّعوا واحدًا من الثلاثة الأُوَل (?)، وغايتُهم أن يدَّعوا أن النظر والتجربة قادهم إلى ذلك، وأوقعهم عليه. ونحن نبيِّن فساد هذا النظر والتَّجربة بما لا يمكنُ دفعُه من الوجوه التي ذكرناها، ونذكرُ غيرها ممَّا هو مثلُها وأقوى منها.
وكلُّ علمٍ صحيح فله براهينُ يستند إليها تنتهي إلى الحِسِّ أو ضرورة العقل، وهذا العلمُ فلا ينتهي إلا إلى حَدْسٍ وتخمينٍ لا تغني من الحقِّ شيئًا، وغاية أهله تقليدُ من لم يَقُمْ دليلٌ على صِدْقه.
الوجه العاشر: أنَّا إذا فَرضنا أنَّ رجلين سألا منجِّمَين في وقتٍ واحدٍ في بلدٍ واحدٍ عن خصمَين، أيُّهما الظَّافر بصاحبه؟ فهاهنا يكونُ ذلك الطَّالعُ مشتركًا بين كلِّ واحدٍ من ذَينِك الخصمَين، فإن دلَّ ذلك الطَّالع على حال الغالب أو المغلوب، مع كونه مشتركًا بين الخصمين (?)، لَزِمَ كونُ كلٍّ منهما غالبًا لخصمه ومغلوبًا من جانبه. وذلك محال.
فإن قالوا: بُيِّن حالُ كلِّ واحدٍ منهما بسبب طالع الأصل، أو طالع التحويل، أو برج الانتهاء.