و {مُنِيبِينَ} نُصِبَ على الحال من المفعول، أي: فَطَرهم منيبين إليه. والإنابةُ إليه تتضمَّنُ الإقبالَ عليه بمحبته وحده والإعراض عمَّا سواه.
وفي "صحيح مسلم" (?) عن عِيَاض بن حِمَار، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله أمرني أن أعلِّمكم ما جهلتم مما علَّمني في مقامي هذا - أنه قال -: كلُّ مالٍ نَحَلتُه عبدًا فهو له حلال، وإني خلقتُ عبادي حنفاء فأتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، وأمرَتهْم أن يشركوا بي ما لم أنزِّل به سلطانًا، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم"؛ فأخبر سبحانه أنه إنما خلق عبادَه على الحنيفيَّة المتضمِّنة لكمال حبِّه، والخضوع له، والذُّلِّ له، وكمال طاعته وحده دونَ غيره.
وهذا من الحقِّ الذي خُلِقَت له، وبه قامت السَّمواتُ والأرض وما بينهما، وعليه قام العالم، ولأجله خُلِقت الجنةُ والنَّار، ولأجله أرسَل رسلَه وأنزل كتبَه، ولأجله أهلَك القرونَ التي خرجت عنه وآثرت غيرَه.
فكونُه سبحانه أهلًا أن يُعْبَد (?) ويُحَبَّ ويُحْمَد ويُثنى عليه أمرٌ ثابتٌ له لذاته، فلا يكونُ إلا كذلك، كما أنه الغنيُّ القادرُ الحيُّ القيُّومُ السَّميعُ البصير، فهو سبحانه الإلهُ الحقُّ المبين، والإلهُ هو الذي يستحقُّ أن يُؤْلَه محبةً وتعظيمًا، وخشيةً وخضوعًا، وتذلُّلًا وعبادة، فهو الإلهُ الحقُّ ولو لم يخلُق خلقَه، وهو الإلهُ الحقُّ ولم لم يعبدوه.
فهو المعبودُ حقًّا، الإلهُ حقًّا، المحمودُ حقًّا، ولو قُدِّر أنَّ خلقَه لم يعبدوه