أُعْبَد؟ ! " (?).
حتى إنه لو قُدِّر أنه لم يرسل رسلَه ولم ينزل كتبَه لكان في الفطرة والعقل ما يقتضي شكرَه وإفرادَه بالعبادة، كما [أنَّ] فيهما ما يقتضي تناولَ المنافع واجتنابَ المضارِّ، ولا فرق بينهما في الفطرة والعقل؛ فإنَّ الله فطر خليقتَه على محبته والإقبال عليه، وابتغاء الوسيلة إليه، وأنه لا شيء على الإطلاق أحبُّ إليها منه، وإن فسدت فِطرُ أكثر الخلق بما طرأ عليها مما اقتَطعها واجتالها عمَّا خُلِق فيها، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30].
فبيَّن سبحانه أنَّ إقامةَ الوجه - وهو إخلاصُ القصد، وبذلُ الوُسع لدينه، المتضمِّنُ محبتَه وعبادته، حنيفًا، مقبلًا عليه، معرضًا عما سواه - هو فطرتُه التي فَطَر عليها عبادَه، فلو خُلُّوا ودواعي فِطَرهم لما رَغِبُوا عن ذلك، ولا اختاروا سواه، ولكن غيِّرت الفِطرُ وأُفسِدت، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولودٍ إلا يولدُ على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جَمْعاء، هل تحسُّون فيها مِنْ جَدعاء؟ حتى تكونوا أنتم تَجْدَعُونها" (?)، ثمَّ يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} [الروم: 30 - 31].