ولم يحمدوه ولم يَأْلهَوه، فهو الله الذي لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم وبعد أن يفنيهم، لم يَسْتَحْدِث بخلقه لهم ولا بأمره إياهم استحقاقَ الإلهية والحمد، بل إلهيتُه وحمدُه ومجدُه وغِناه أوصافٌ ذاتيةٌ له يستحيلُ مفارقتُها له، كحياته (?) ووجوده وقدرته وعلمه وسائر صفات كماله.

فأولياؤه وخاصَّتُه وحِزبُه لمَّا شَهِدت عقولهم وفِطرُهم أنه أهلٌ أن يُعْبَد وإن لم يرسِل إليهم رسولًا ولم ينزِّل عليهم كتابًا، ولو لم يخلُق جنةً ولا نارًا = علموا أنه لا شيء في العقول والفِطر أحسن من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه.

وجاءت الرُّسلُ وأنزلت الكتبُ بتقرير ما استَودع سبحانه في الفِطر والعقول من ذلك، وتكميله، وتفصيله (?)، وزيادته حُسْنًا إلى حُسْنِه.

فاتفقت شريعتُه وفطرتُه، وتطابقًا وتوافقًا، وظهر أنهما من مشكاةٍ واحدة.

فعبدُوه وأحبُّوه ومجَّدوه وحمدُوه بداعي الفطرة وداعي الشرع وداعي العقل، فاجتمعَت لهم الدَّواعي ونادتهم من كلِّ جهة، ودَعَتهم إلى وليِّهم وإلههم وفاطرهم، فأقبلوا إليه بقلوبٍ سليمةٍ لم يعارِض خبَره عندها شبهةٌ توجبُ ريبًا وشكًّا، ولا أمرَه شهوةٌ توجبُ رغبتَها عنه وإيثارَها سواه.

فأجابوا دواعي المحبة والطَّاعة إذ نادت بهم: حيَّ على الفلاح، وبذلوا أنفسَهم في مرضاة مولاهم الحقِّ بَذْلَ أخي السَّماح، وحَمِدُوا عند الوصول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015