والمسلكان كما ترى! وحسبك ما يدلُّ عليه العقلُ الصريحُ والنقلُ الصحيحُ من بطلانهما وفسادهما.
* وليس عند النَّاس غيرُ هذين المسلكين إلا مسلك من هو خارجٌ عن الدِّيانات وأتباع الرُّسل، ممن يرى أنَّ الشرائع وُضِعَت نواميسَ تقومُ عليها مصلحةُ النَّاس ومعيشتُهم، وأنَّ فائدتها تكميلُ قوَّة النَّفس العملية وارتياضها، لتَخْرُجَ عن شَبه الأنعام، فتصيرَ مستعدةً لأنَّ تكون محلًّا لقبول الفلسفة العليا والحكمة.
وهذا مسلكٌ خارجٌ عن مناهج الأنبياء وأممهم (?).
* وأمَّا أتباعُ الرُّسل الذين هم أهلُ البصائر، فحكمةُ الله عزَّ وجلَّ في تكليفهم ما كلَّفهم به أعظمُ وأجلُّ عندهم مما يخطُر بالبال، أو يجري به المقال، ويشهدون له سبحانه في ذلك من الحِكَم الباهرة والأسرار العظيمة أكثر مما يشهدونه في مخلوقاته وما تضمَّنته من الأسرار والحِكَم.
ويعلمون - مع ذلك - أنه لا نسبة لما أطلَعهم سبحانه عليه من ذلك إلى ما طوى علمَه عنهم واستأثر به دونهم، وأنَّ حكمتَه في أمره ونهيه وتكليفهم أجلُّ وأعظمُ مما تطيقُه عقولُ البشر، فهم يعبدونه سبحانه بأمره ونهيه لأنه تعالى أهلٌ أن يُعْبَد، وأهلٌ أن يكون الحبُّ كلُّه له، والعبادةُ كلُّها له، حتى لو لم يخلُق جنَّةً ولا نارًا، ولا وَضَع ثوابًا ولا عقابًا؛ لكان أهلًا أن يُعْبَد أقصى ما تناله قدرةُ خلقِه من العبادة.
وفي بعض الآثار الإلهيَّة: "لو لم أخلُق جنَّةً ولا نارًا ألم أكُن أهلًا أن