لمنافاته الحكمة؛ وقد بيَّنَّا ذلك قريبًا (?)، فيكون تركُهم همَلًا وسُدًى مقدورًا للرَّبِّ تعالى لا يقتضي معارضته لمقدوره الآخَر مِنْ تكليفهم وأمرهم ونهيهم.

الوجه السابع والأربعون: قولكم: "إذ لا يتزيَّنُ منهم بطاعةٍ ولا تَشِينُه معصيتُهم".

قلنا: ومن الذي نازع في هذا؟ ! ولكنَّ حُسْنَ التكليف لا ينفي ذلك عن الرَّبِّ تعالى، وأنه إنما يكلِّفهم تكليفَ من لا يبلغوا ضرَّه فيضرُّوه ولا يبلغوا (?) نفعَه فينفعوه، وأنهم لو كانوا كلُّهم على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئًا، ولو كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منهم ما نقَص ذلك من ملكه شيئًا.

وهاهنا اختلفت الطُّرقُ بالنَّاس في علَّة التكليف وحكمته، مع كونه سبحانه لا ينتفِعُ بطاعتهم، ولا تضرُّه معصيتُهم:

* فسلكت الجبريَّة مسلكها المعروف، وأنَّ ذلك صادرٌ عن محض المشيئة وصِرْف الإرادة، وأنه لا علَّة له ولا ما يحثُّ عليه سوى محض الإرادة.

* وسلكت القَدَرِيَّة مسلكها المعروف، وهو أنَّ ذلك استئجارٌ منه لعبيده، لينالوا أجرَهم بالعمل، فيكون ألذَّ من اقتضائهم الثَّوابَ بلا عمل، لما فيه من تكدير المِنَّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015