ولا ريب أن المؤمنَ إذا رأى عدوَّه وعدوَّ محبوبه- الذي هو أحبُّ الأشياء إليه- في أنواع العذاب والآلام، وهو يتقلَّبُ في أنواع النعيم واللذة = ازدادَ بذلك سرورُه، وعَظُمَت لذتُه وكَمُلت نعمتُه.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته، وهي الغايةُ المطلوبة منهم، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56].
ومعلومٌ أن كمال العبودية المطلوبَ من الخلق لا يحصُل في دار النعيم والبقاء، إنما يحصُل في دار المحنة والابتلاء، وأما دار البقاء فدار لذَّةٍ ونعيم، لا دار ابتلاءٍ وامتحان وتكليف.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه اقتضت حكمتُه خلقَ آدم وذريَّته في تركيبٍ (?) مستلزم لداعي الشَّهوة والغضب، وداعي العقل والعلم؛ فإنه سبحانه خلق فيه العقل (?) والشَّهوة ونَصَبَهما داعيَين لمقتضياتهما (?)؛ ليتمَّ مراده، ويظهر لعباده عزَّته في حكمته (?) وجبروته، ورحمته وبرِّه، ولطفه في سلطانه وملكه.
فاقتضت حكمتُه ورحمتُه أنْ أذاقَ أباهم وَبِيلَ مخالفته، وعرَّفه ما تجني عواقبُ إجابة الشَّهوة والهوى؛ ليكون أعظم حذرًا فيها (?) وأشدَّ هروبًا.