وقال في مقام التحدِّي: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23].
وفي "الصحيحين" في حديث الشَّفاعة، وتراجُع الأنبياء فيها، وقول المسيح - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبوا إلى محمد؛ عبد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر" (?)، فدلَّ ذلك على أنه قال ذلك المقام الأعظم (?) بكمال عبوديته لله، وكمال مغفرة الله له.
وإذا كانت العبوديةُ عند الله بهذه المنزلة، اقتضت حكمتُه أن أسكَنَ آدمَ وذريَّته دارًا ينالون فيها هذه الدرجةَ بكمال طاعتهم لله، وتقرُّبهم إليه بمحابِّه، وتَرْك مألوفاتهم من أجله؛ فكان ذلك من تمام نعمته عليهم وإحسانه إليهم.
* وأيضًا؛ فإنه سبحانه أراد أن يعرِّف عبادَه الذين أنعم عليهم تمامَ نعمته عليهم، ويعرِّفهم قَدْرَها؛ ليكونوا أعظم محبةً له، وأكثر شكرًا، وأعظمَ التذاذًا بما أعطاهم من النعيم؛ فأراهم سبحانه فِعْلَه بأعدائه، وما أعدَّ لهم من العذاب وأنواع الآلام، وأشهَدَهم تخليصَهم من ذلك، وتخصيصَهم بأعلى أنواع النعيم؛ ليزداد سرورُهم، وتكمُل غبطتُهم، ويعظُم فرحُهم، وتتمَّ لذتهُم، وكان ذلك من إتمام الإنعام عليهم ومحبَّتهم.
ولم يكن بدٌّ في ذلك من إنزالهم إلى الأرض وامتحانهم واختبارهم، وتوفيق من شاء منهم رحمةً منه وفضلًا، وخذلان من شاء حكمةً منه وعدلًا، وهو العليم الحكيم.