تقدَّم أنَّ هذا الميلَ تبعٌ للحقيقة، وأنه يستحيلُ وجودُه في فعلٍ لا تقتضي ذاتُه المصلحةَ والاستحسان، وأنَّ حصولَ الوهم المقارن تبعٌ للحقيقة الثَّابتة؛ لاستحالة حصول هذا الوهم في فعلٍ لا تكونُ ذاتُه مَنْشَأً للأمر الموهوم (?)، فيتوهَّمُ الذِّهنُ حيث تنتفي الحقيقة.

الوجه الثَّلاثون: قولكم: "إنَّ من عَرَضت له حاجة، وأمكنَ قضاؤها بالصِّدق والكذب، فإنه يُؤثِرُ الصِّدقَ لأنَّه وَجَده مقرونًا بالثَّناء، فهو يُؤثِره لما يقترنُ به من الثَّناء" (?).

فجوابه أيضًا ما تقدَّم، وأنَّ اقترانَه بالثَّناء لِمَا اختُصَّ به من الصِّفاتِ التي اقتضت الثَّناءَ على فاعله.

كيف، والكذبُ متضمِّنٌ لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيامُ العالم عليه، لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمِّنٌ لفساد المعاش والمعاد؟ ! ومفاسدُ الكذب اللازمةُ له معلومةٌ عند خاصَّة النَّاس وعامَّتهم.

كيف، وهو منشأ كلِّ شرٍّ وفساد، وشرُّ الأعضاء لسانٌ كذوب (?)؟ !

وكم قد أُزِيلت بالكذب مِنْ دُولٍ وممالِك، وخرِّبت به مِنْ بلاد، واستُلِبت به مِنْ نِعَم، وتعطَّلت به مِنْ معايش، وفَسَدَت به مِنْ مصالح، وغُرِسَت به مِنْ عداوات، وقُلِعَت به مِنْ مودَّات، وافتَقر به غنيٌّ، وذَل به عزيزٌ، وهُتِكَت به مَصُونةٌ، ورُمِيَت به محصَنةٌ، وخَلَت به دُورٌ وقصور،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015