غَدَتْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى مُكْفَهِرَّةً ... عَبُوسًا وَقد كَانَتْ مِن البَشَرِ تَلْمَعُ

فَلَمْ يَعْرِفِ الْمَوْلَى مِنْ الْعَبْدِ فِيْهِم ... وَلاَ خَامِلاَ مِن نَابِهٍ يَتَرَفَّعُ

وَأَنَّى لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ بَعْدَمَا ... تَبَيَّنَ مِنْهُمْ مَا لَهُ الْعَيْنُ تَدْمَعُ

رَأَى مَا يَسُوءُ الطَّرْفَ مِنْهُمْ وَطَالَمَا ... رَأَى مَا يَسُرُّ النَّاظِرِيْنَ وَيُمْتِعُ

رَأَى أَعْظُمًا لاَ تَسْتَطِيْعُ تَمَاسُكًا ... تَهَافَتْ مِنْ أَوْصَالِهَا وَتَقَطَّعُ

مُجَرَّدَةً مِن لِحْمِهَا فَهِيَ عِبْرَةٌ ... لِذِي فِكْرَةٍ فِيْمَا لَهُ يَتَوقَّعُ

تَخَوَّنَهَا مَرُّ اللَّيَالِي فَأَصْبَحَتْ ... أَنَابِيْبَ مِنْ أَجْوَافِهَا الرِّيْحُ تُسْمَعُ

إِلَى حَالَةٍ مُسْوَدَّةٍ وَجَمَاجِمٍ ... مُطَأْطَأَةٍ مِنْ ذِلّةٍ لَيْسَ تُرْفَعُ

أُزِيْلَتْ عَن الأَعْنَاقِ فَهِي نَوَاكِسٌ ... عَلَى التُّرْبِ مِنْ بِعد الوَسَائِدِ تُوْضَعُ

عَلاَهَا ظَلاَمٌ لِلْبِلَى وَلَطَالَمَا ... غَدَا نُورُهَا فِي حِنْدِسِ الظُّلْمِ يَلْمَعُ

كَأَن لَمْ يَكُنْ يَوْمًا عَلاَ مَفْرِقًا لَهَا ... نَفَائِسُ تِيْجَانٍ وَدُرٍ مُرَصَّعُ

تَبَاعَدَ عَنْهُم وَحْشَةً كُلُّ وَامِقٍ ... وَعَافَهُمُ الأَهْلُونَ وَالنَّاسُ أجْمَعُ

وَقَاطَعَهُمْ مَنْ كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ ... بِوَصْلِهِمُ وَجدًا بِهِمْ لَيْسَ يَطْمَعُ

يُبَكِّيْهِمْ الأَعْدَاءُ مِنْ سُوءِ حَالِهِمْ ... وَيَرْحَمُهُمْ مَنْ كَانَ ضِدًا وَيَجْزَعُ

فَقُلْ لِلّذِي قَدْ غَرُّهُ طُوْلُ عُمْرهِ ... وَمَا قَدْ حَوَاهُ مِنْ زَخَارِفَ تَخْدَعُ

أَفِقْ وَانْظُرِ الدُّنْيَا بِعَيْنٍ بَصِيْرَةٍ ... تَجِدْ كُلَّ مَا فِيْهَا وَدَائِعَ تَرْجِعُ

فأَيْنَ الْمُلُوكُ الصِّيْدُ قِدْمًا وَمَنْ حَوَى ... مِنَ الأَرْضِ مَا كَانَتْ بِهِ الشَّمْسُ تَطْلَعُ

حَوَاهُ ضَرِيْحَ مِنْ فَضَاء بَسِيْطَهَا ... يُقَصِرُ عَن جُثْمَانِهِ حِيْنَ يَذْرَعُ

فَكَمْ مَلَكَ أَضْحَى بِهَذَا مَذَلَّةٍ ... وَقَدْ كَانَ حَيًّا للْمَهَابَةِ يُتْبَعُ

يَقُودْ عَلَى الْخَيْلِ العِتَاقِ فَوَارِسَا ... يِسُدُّ بِهَا رَحْبَ الفَيَافِي وَيُتْرِعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015