وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ إذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي الصِّغَرِ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَبِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا، وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ فِي حَجِّهِ فَسَدَ وَقَضَى وَلَوْ فِي الصِّبَا كَالْبَالِغِ الْمُتَطَوِّعِ بِجَامِعِ صِحَّةِ إحْرَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ لِفَسَادِ حَجِّهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَالِغِ مِنْ كَوْنِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا مُجَامِعًا قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِحْرَامِ عَنْ الْعَبْدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَ بَالِغًا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ، وَمَفْهُومُهُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَتَزْوِيجِهِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: رَأَيْتُ فِي الْأُمِّ الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّغِيرِ، ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الْأُمِّ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهَا عَلَى الصَّغِيرِ فَيَتَوَافَقُ الْكَلَامَانِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) وَلَوْ صَغِيرًا وَرَقِيقًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ الْحُرِّ وَإِذْنُ السَّيِّدِ لِلصَّغِيرِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُمَا وَاسْتَقَلَّا بِالْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَلَكِنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَعُمْرَتِهِ (بِالْمُبَاشَرَةِ) أَوْ النِّيَابَةِ (إذَا بَاشَرَهُ) الْمُسْلِمُ (الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْحَجِّ، وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالْحَجِّ، وَلِهَذَا قَالَ (فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ) وَكُلُّ عَاجِزٍ إذَا جَمَعَ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ، أَوْ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ وَحَجَّ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِالْمُبَاشَرَةِ تَقْيِيدٌ مُضِرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَاشَرَهُ مُكَلَّفٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَجُّ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَالْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ الْفَقِيرُ الْحَجَّ وَأَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَفَاهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا، فَلَوْ أَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (دُونَ) حَجِّ (الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ لَا يَتَكَرَّرُ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، فَإِنْ كَمَّلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَأَدْرَكَا بَعْدَ الْكَمَالِ زَمَنًا يُعْتَدُّ بِمِثْلِهِ فِي الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَا قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَدْرَكَا مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ، فَصَارَ كَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَأَعَادَ السَّعْيَ مِنْهُمَا مَنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ الْقُدُومِ لِوُقُوعِهِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ، وَيُخَالِفُ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ