وَالْمَجْنُونِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ وَرَفَعَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا» وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُحْمَلُ بِعَضُدِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْمِحَفَّةِ لَا تَمْيِيزَ لَهُ (وَ) أَنْ يُحْرِمَ عَنْ (الْمَجْنُونِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ وَإِنْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ نَوْعِ مَنْ يَصِحُّ عِبَادَتُهُ فَيَنْوِي الْوَلِيُّ بِقَلْبِهِ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْرِمًا أَوْ يَقُولُ أَحْرَمْت عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَلَا مُوَاجَهَتُهُمَا بِالْإِحْرَامِ وَلَا يَصِيرُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ مُحْرِمًا. وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ مَيَّزَ كَانَ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ كَالْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ الْإِحْرَامُ عَمَّنْ ذُكِرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَجَابُوا عَمَّا يُوهِمُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ جَوَازِ إحْرَامِ الْأُمِّ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لَهَا إنَّمَا هُوَ أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا الَّتِي أَحْرَمَتْ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَذِنَ لَهَا فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ الْوَلِيُّ ثُمَّ أَعْطَاهُ لِمَنْ يُحْضِرُهُ الْحَجَّ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ صَارَ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مُحْرِمًا فَعَلَ الْوَلِيُّ الْمَذْكُورَ بِهِ وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْوَلِيِّ فَقَطْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ فَيَطُوفُ بِهِ وَيَسْعَى وَلَكِنْ يَرْكَعُ عَنْهُ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، فَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلْيَكُنْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا لِلدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَالصَّبِيُّ مُتَوَضِّئَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا دُونَ الْوَلِيِّ لَمْ يُجْزِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ وَكَأَنَّهُ اغْتَفَرَ صِحَّةَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا اغْتَفَرَ صِحَّةَ طُهْرِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْضُرُ الْوَلِيُّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوَاقِفِ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبَةِ، فَإِنْ قَدَرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الرَّمْيِ رَمَى وُجُوبًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِ الْأَحْجَارِ نَاوَلَهَا لَهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيَّ، وَلَوْ فَرَّطَ الصَّبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ كَانَ وُجُوبُ الدَّمِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ ارْتَكَبَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُمَيِّزٌ وَتَعَمَّدَ فِعْلَ ذَلِكَ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَظْهَرِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا فِدْيَةَ فِي ارْتِكَابِهِ مَحْظُورًا عَلَى أَحَدٍ، وَالنَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ لِلْمُمَيِّزِ نِكَاحًا، إذْ الْمَنْكُوحَةُ قَدْ تَفُوتُ وَالنُّسُكُ، يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ أُجْرَةَ تَعْلِيمِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَيْثُ وَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعْلِيمِ