وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ. وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَحَدِهِمَا، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ لَا يَكْفِي رِضَاهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكِّمِ يَضُرُّ بِغُرَمَائِهِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَعَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَالِكِ، وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لَا أَثَرَ لِتَحْكِيمِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقٍ (لَا يَجُوزُ) التَّحْكِيمُ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ (وَقِيلَ) أَيْ وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ (بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ) أَيْ وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ (يَخْتَصُّ) جَوَازُ التَّحْكِيمِ (بِمَالٍ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ (دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا) كَلِعَانٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِخَطَرِ أَمْرِهَا فَتُنَاطُ بِنَظَرِ الْقَاضِي وَمَنْصِبِهِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ حُكْمُهُ فِي مَالٍ صَحَّ فِي غَيْرِهِ كَالْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَأْتِي التَّحْكِيمُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ (وَ) الْمُحَكَّمُ (لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ) قَبْلَ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ رِضَا الْخَصْمَيْنِ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اشْتِرَاطِ الرِّضَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْقَاضِي، فَلَوْ تَحَاكَمَ الْقَاضِي مَعَ شَخْصٍ عِنْدَ مُحَكَّمٍ لَمْ يُشْتَرَطْ رِضَا الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةٌ، فَلَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ،.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ فَيَحْسُنُ الْبِنَاءُ (فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ) بِحُكْمِهِ (فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ. وَيُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ الرِّضَا إلَى تَمَامِ الْحُكْمِ (وَ) حِينَئِذٍ (إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ) تَمَامِ (الْحُكْمِ) وَلَوْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالشُّرُوعِ فِيهِ (امْتَنَعَ الْحُكْمُ) لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الرِّضَا (وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ) كَحُكْمِ الْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَكَذَا فِي لُزُومِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْبِسَ، بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّرْسِيمُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: وَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ أُبَّهَةَ الْوِلَايَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ فَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ،