وَلَوْ نَصَبَ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ جَازَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَحْكُمُ لِنَحْوِ وَلَدِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ وَلَا عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا فِي الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَمْضِي حُكْمُ الْمُحَكَّمِ كَالْقَاضِي، وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ قَضَاءُ غَيْرِهِ.
فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَيُفَارِقُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ.
(وَلَوْ) (نَصَبَ) الْإِمَامُ بِبَلَدٍ (قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ) مِنْهُ يَحْكُمُ فِيهِ (أَوْ زَمَانٍ) كَيَوْمِ كَذَا (أَوْ نَوْعٍ) مِنْ الْحُكْمِ كَأَنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْآخَرَ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ (جَازَ) لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا يَحْكُمُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَآخَرَ يَحْكُمُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَصَمَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَمْ يَفْصِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْخُصُومَةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثَالِثٍ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِسْ بِهَذَا مَا يُشْبِهُهُ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ) كُلًّا مِنْ الْقَاضِيَيْنِ بِمَا ذَكَرَ بَلْ عَمَّمَ وِلَايَتَهُمَا فَيَجُوزُ (فِي الْأَصَحِّ) كَنَصْبِ الْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ) فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَلَّى الْإِمَامُ مُقَلِّدَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقُلْنَا: تَجُوزُ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّ إمَامَهُمَا وَاحِدٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِ قَوْلَانِ فَيَرَى أَحَدُهُمَا الْعِلْمَ بِقَوْلٍ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالِاخْتِلَافِ.
أَجَابَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ فِي الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ، وَعِنْدَ تَصْرِيحِ ذَلِكَ الْإِمَامِ بِتَصْحِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِلْحَاقِ مَا لَمْ يَقِفَا فِيهِ عَلَى نَصٍّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِمَا هُوَ مَنْصُوصٌ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَهَهُنَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ وَالِاخْتِلَافُ وَيَخْتَلِفُ النَّظَرُ فَيَتَّجِهُ الْمَنْعُ أَيْضًا. أَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ اسْتِقْلَالَهُمَا وَلَا اجْتِمَاعَهُمَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى إثْبَاتِ الِاسْتِقْلَالِ تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا يَجُوزُ، وَيُفَارِقُ نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ تَعْيِينَهُمَا بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ جَائِزٌ. فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ، وَإِنْ طَلَبَ الْقَاضِيَانِ خَصْمًا بِطَلَبِ خَصْمَيْهِ لَهُ مِنْهُمَا أَجَابَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بِالطَّلَبِ، فَإِنْ طَلَبَاهُ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ.
أُجِيبَ الطَّالِبُ لِلْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ تُسَاوَيَا بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَتَحَاكُمِهِمَا فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَخَالُفَهُمَا تَحَاكَمَا عِنْدَ أَقْرَبِ الْقَاضِيَيْنِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا عَمِلَ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طُولِ النِّزَاعِ.