إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ: كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ.
وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلًا فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِهِ جَوَازُ اسْتِخْلَافِ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ مَحَلَّهُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ. أَمَّا إذَا فَوَّضَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ اخْتِيَارَ قَاضٍ فَلَا يَخْتَارُ وَلَدَهُ وَلَا وَالِدَهُ، كَمَا لَا يَخْتَارُ نَفْسَهُ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ) شَخْصٌ (فِي أَمْرٍ خَاصٍّ: كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ شَرَائِطِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَتْنِ بِاشْتِرَاطِهِ، أَيْضًا بِأَنَّ خِلَافَ الِاسْتِخْلَافِ يَجْرِي أَيْضًا فِي الْأَمْرِ الْخَاصِّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنْ قَطَعَ الْقَفَّالُ بِالْجَوَازِ، وَفِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ مَا يُوَافِقُهُ وَحَيْثُ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَاسْتَخْلَفَ شَافِعِيٌّ مُخَالِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَحْكُمَ) الْخَلِيفَةُ (بِاجْتِهَادِهِ) إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا (أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّام بِخَطِّهِ (إنْ كَانَ مُقَلِّدًا) بِكَسْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وَالْحَقُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ وَالْمُقَلِّدُ مُلْحَقٌ بِمَنْ يُقَلِّدُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمُعْتَقِدِهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ اسْتَخْلَفَهُ (خِلَافَهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ: لَا تَحْكُمْ فِي كَذَا فِيمَا يُخَالِفُهُ فِيهِ جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَحْكُمْ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ.
(وَلَوْ) (حَكَّمَ) بِكَافٍ مُشَدَّدَةٍ (خَصْمَانِ رَجُلًا) غَيْرَ قَاضٍ (فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (جَازَ مُطْلَقًا) عَلَى التَّفَاصِيلِ الْآتِيَةِ (بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ) وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَكَانَ إجْمَاعًا.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ خَصْمَانِ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْخُصُومَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. فَإِنَّ التَّحْكِيمَ يَجْرِي فِي النِّكَاحِ. فَلَوْ قَالَ: اثْنَانِ كَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ لِيَتَنَاوَلَ التَّعْزِيرَ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْحَدِّ فِي ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ عَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ الْأَهْلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُشْتَرَطُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي. نَعَمْ يُسْتَثْنَى التَّحْكِيمُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ تَحْكِيمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ جَوَازِ التَّحْكِيمِ الْوَكِيلَيْنِ، فَلَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَحْكِيمُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَالْوَلِيَّيْنِ، فَلَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكِّمِ يَضُرُّ