وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي كَبِيرَةٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا تُرِكُوا، وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ قَطْعًا، فَإِنْ فُقِدَتْ فِيهِمْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ وَالْخَوَارِجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ، أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا، وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطَ حُكْمَهُمْ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ شَوْكَتِهِ (وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ يُكَفِّرُونَ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ لَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (كَبِيرَةٍ) وَلَمْ نُكَفِّرْهُمْ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ (وَلَمْ يُقَاتِلُوا) وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ (تُرِكُوا) فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا بَيْنَنَا أَمْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لَكِنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَمْ يَفْسُقُوا بِذَلِكَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبَطَ عَمَلُهُ وَخَلَدَ فِي النَّارِ، وَأَنَّ دَارَ الْإِمَامِ صَارَتْ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ، فَلِذَلِكَ طَعَنُوا فِي الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ وَتَجَنَّبُوا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عُزِّرُوا لَا إنْ عَرَّضُوا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا مِنْ الْخَوَارِجِ، يَقُول: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَرَّضَ بِتَخْطِئَتِهِ فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ فَجَعَلَ حُكْمَهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْعَدْلِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ إذَا لَمْ نَتَضَرَّرْ بِهِمْ، فَإِنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَاتَلُونَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا (فَقُطَّاعُ) أَيْ فَحُكْمُهُمْ إنْ لَمْ نُكَفِّرْهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَبَقَ كَحُكْمِ قُطَّاعِ (طَرِيقٍ) فَإِنْ قَتَلُوا أَحَدًا مِمَّنْ يُكَافِئُهُمْ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ بِقَوْلِهِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ كَمَا مَرَّ لِتَأْوِيلِهِمْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -