وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ وَتَأْوِيلٍ، وَمُطَاعٍ فِيهِمْ، قِيلَ وَإِمَامٌ مَنْصُوبٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ بِخُرُوجٍ عَنْ طَاعَتِهِ بِسَبَبِ (مَنْعِ حَقٍّ) مَالِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَقِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ (تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِمَنْعِهِمْ الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَنَعُوا الْحَقَّ الْمُتَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفُو الْإِمَامِ بُغَاةً (بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ) بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ وَلَوْ بِحِصْنٍ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ رِجَالٍ (وَ) بِشَرْطِ (تَأْوِيلٍ) يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ أَوْ مَنْعِ الْحَقِّ الْمُتَوَجَّهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ، وَتَأْوِيلِ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) بِشَرْطٍ (مُطَاعٍ فِيهِمْ) أَيْ مَتْبُوعٍ يَحْصُلُ بِهِ قُوَّةٌ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا مَنْصُوبًا فِيهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ مُطَاعٌ، وَهَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُطَاعَ شَرْطٌ لِحُصُولِ الشَّوْكَةِ، لَا أَنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ غَيْرُ الشَّوْكَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَعْبِيرُ الْكِتَابِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُحَرَّرِ غَيْرَ شَرْطَيْنِ وَجَعَلَ الْمُطَاعَ قَيْدًا فِي الشَّوْكَةِ (قِيلَ وَ) يُشْتَرَطُ (إمَامٌ مَنْصُوبٌ) فِيهِمْ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ الْأَحْكَامُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ لِلْجَدِيدِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْمُعْظَمِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ.
تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اعْتِبَارَ وُجُودِ شَخْصَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا: بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَاعٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا فِيهِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَلَا إمَامَ لَهُمْ وَأَهْلَ صِفِّينَ قَبْلَ نَصْبِ إمَامِهِمْ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ انْفِرَادُ الْبُغَاةِ بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ جَمْعٍ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. الثَّانِي لَيْسَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِفَسَقَةٍ كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِكَفَرَةٍ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ، وَلَيْسَ اسْمُ الْبَغْيِ ذَمًّا، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيمَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ كَحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثُ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» وَحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ»