الشيخ، وجاء، وقبَّل يد التلميذ، ولم يفهم الجماعة شيئًا. فسئل الشيخ بعد ذلك؛ فقال: إنَّه البارحة وقع في الزنى، فنظرت إليه نظر مغضَب لذلك، فنظر إليَّ نظر عاتب، يقول: لو كان خاطرك معي، وإمدادك مصاحبي، لما وقع مني ذلك. فأنت المقصِّر. فقبلت يده لصدقه، فإن التقصير مني. ومن حقِّهم الوقوف في إظهار ما يُطلعهم اللَّه تعالى عليه من المغيَّبات، ويخصُّهم به من الكرامات، على الإذن؛ وهم لا يجيزون إظهارها بلا فائدة، ولا يظهرونها إلَّا عن إذن لفائدة، دينيّة: من تربية أو بشارة أو نِذارة؛ كما قال الصدِّيق رضي اللَّه تعالى عنه لعائشة رضي اللَّه تعالى عنها -وقد كان نَحَلَها جادّ عشرين وَسْقًا من ماله بالغابة فحضرته الوفاة، وأرادَ استرجاع الهبة، وتطييب قلبها مع ذلك-: واللَّه يا بنيّة ما من الناس أحد أحبُّ إليَّ غنًى بعدي منكِ، ولا أعزُّ عليّ فقرًا بعدي منك، وإنِّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقًا، فلو كنت حُزتيه كان لكِ. وإنَّما هو اليوم مال وارثٍ، وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسِموه على كتاب اللَّه تعالى. قالت عائشة: واللَّه يا أَبَت لو كان كذا وكذا لتركتُه؛ إنَّما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: ذلك ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية. فكان كذلك. فلم يظهر أبو بكر ذلك إلَّا لاستطابة قلب عائشة رضي اللَّه تعالى عنها.
وأمَّا قصَّة سارية فإنَّ عمر رضي اللَّه تعالى عنه كان أمَّره على جيش، وجهَّزه إلى بلاد فارس، فاشتدَّ الحال على عسكره بباب نَهَاوَنْد، وكاد المسلمون ينهزمون، وعمر رضي اللَّه تعالى عنه بالمدينة؛ فصعِد المنبر، ثم استغاثَ في أثناء خطبته بأعلى صوته: يا سارية الجبل، يا ساريةُ الجبل، الحكاية. فأسمع اللَّه تعالى سارية وجنوده أجمعين -وهم بنهاوند- صوت عمر رضي اللَّه عنه، وعرفوه، وقالوا: هذا صوت أمير المؤمنين، يأمرنا بالالتجاء إلى الجبل. فلجأوا إليه ونجوا.
سمعت الشيخ الإمام يقول: سئل عليّ كرَّم اللَّه وجهه وقد كان حاضرًا في المسجد، وعمر يخطب ويستغيث بهذا الصوت: ما هذا الذي يقوله أمير المؤمنين؟ فقال عليّ كرَّم اللَّه وجهه: دعوا أمير المؤمنين؛ فما دخل في أمر إلَّا وخرج منه. ثم تبيَّن الحال بالآخرة. فنقول: عمر هنا -واللَّه أعلم- لم يقصد