المتلبسين بها؛ بحيث قال الشيخ أبو محمَّد الجُوَيْنيّ: لا يصح الوقف عليهم؛ لأنه لا حدَّ لهم يعرف؛ والصحيح صحته، وأنهم المُعْرِضون عن الدنيا، المشتغلون في أغلبِ الأوقات بالعبادة؛ ومن ثمَّ قال الجُنَيد: التصوُّف استعمال كل خُلُقٍ سنِيّ، وترك كل خُلق دنِيّ؛ وقال أبو بكر الشِبْليّ: التصوُّف ضبط حواسّكَ، ومراعاة أنفاسك، وقال ذو النون: الصوفي من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق، وإذا سكت نطقت عنه الجوارحِ بقطع العلائق؛ وقال عليّ بن بُنْدار: التصوُّف إسقاط رؤية الخلق ظاهرًا وباطنًا: وقال أبو عليّ الروُّذَبَارِيّ: الصوفيّ من لبس الصوف على الصفا، وأذاقَ الهوى طعمُ الجفا، ولزم طريق المصطفى، وكانت الدنيا منه على القفا. وكان الشيخ الإِمام يقول: الصوفي من لزم الصدق مع الحق، والخُلُق مع الخَلْق، ويُنشِد:

تنازع الناس في الصوفيّ واختلفوا ... قِدمًا، وظنُّوه مشتقًا من الصوفِ

ولست أنحَل هذا الاسم غير فتًى ... صافي فصوفي، حتى لقب الصوفيّ

وهذه عبارات متقاربة. والحاصل أنَّهم أهل اللَّهِ وخاصّتُهُ، الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستَننزَل الغيث بدعائهم؛ فرضي اللَّه عنهم وعنَّا بهم! وللقوم أوصاف وأخبار اشتملت عليها كتُبهم. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه اللَّه: جعل اللَّه هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضَّلهم على الكافَّة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات اللَّه عليهم وسلامه. جعل اللَّه قلوبهم معادِن أسراره، واختصَّهم من بين الأمَّة بطوالعِ أنواره، فهم الغِيَاث للخَلْق، والدّائرون في عموم أحوالهم مع الحقّ. ومن أوصاف هذه الطائفة الرأفة والرحمة والعفو، والصفح، وعدم المؤاخذة. وضابطهم ما ذكرناه. وطريقهم كما قال شيخ الطائفة أبو القاسم الجُنَيد رحمه اللَّه: طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنَّة. وقال: الطريق مسدود على خلق اللَّه تعالى، إلَّا على المقتفين آثار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن حقِّهم تربية المريد إذا لاحت عليه لوائح الخير، وإمداده بالخاطر والدعاء. يحكى عن بعض المشايخ أن تلميذه حضر إليه وهو جالس في جماعة، وقد ارتفعَ النهارِ، فتفرَّس الشيخ أنه كانَ في الليلة الذاهبة قد ارتكب معصية، فنظر إليه نظر مُغضب، ولم يمكنه الإفصاح له بمحضر من الجماعة؛ فنظر التلميذ إلى الشيخ نظرة منكَر فقام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015