إظهار الكرامة، وإنَّما ألجأته الضرورة -وقد كشف له حال القوم- إلى إنقاذهم، فناداهم، ولعلَّه غلب عليه الحال وغابَ عن حسِّه.
وأمَّا قصة الزلزلة -وهي أنَّ الأرض زلزلت في زمن عمر رضيَ اللَّه تعالى عنه، فضربها بالدِّرة، وقال: ويحك قِرِّي ألم أعدل عليك! وكانت ترتجف. فاستقرَّت من وقتها.
وقصة النيل، وكونه كان لا يجري حتى يلقى فيه جارية عذراء كل عام، فكتب نائب مصر عمرو بن العاص إلى عمر يخبره؛ فكتب عمر بطاقة إلى النيل، وأمرَ أن تُلقى في الماء، فيها: من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أمَّا بعد فإن كنت تجري من قبَلك فلا تجر؛ وإن كان اللَّه الواحد القهَّار هو الذي يُجريك فاجر بإذن اللَّه الواحد القهَّار. فجرى جريانًا لم يعهد مثله، أخصبت له البلاد. وكرامات عمر رضيَ اللَّه تعالى عنه كثيرة. وهذه الأمور من تمكّنه في الأرض ظاهرًا وباطنًا، وكونه أمير المؤمنين على الحقيقة، وخليفة اللَّه تعالى في أرضه وساكني أرضه. وليس هذا الكتاب موضع استيعاب القول على ذلك. وإذا علمت أنّ خاصة الخلق هم الصوفيَّة، فاعلم أنهم قد تشبَّه بهم أقوام ليسوا منهم، فأوجب تشبُّه أولاء بهم سوء الظن. ولعلَّ ذلك من اللَّه تعالى قصدًا لخفاء هذه الطائفة، التي تؤثِر الخمول على الظهور.
واعلم أنَّ الصوفية أكثرهم لا يرضى بدخول الخوانق، ولا التعلُّق بشيء من أسباب الدنيا، ونحن نتذكَّر بهم ولا نذكّرهم. ولكنَّا نتكلَّم على ذوي الأسباب منهم؛ لأنَّهم لما خالطوا أهل الدنيا تطرق إليهم البحثُ على قدر مخالطتهم:
فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتكَ كلابها
شيخ الخانقاه: وربَّما سمي كبير هذه الطائفة شيخ الشيوخ؛ وربَّما قيل: شيخ شيوخ العارفين. وسمعت الشيخ الإمام يشدِّد النكير في هذه العبارة، ويقول: شيخ شيوخ العارفين! يردِّدها مرارًا منكرًا لها، ويقول: لم يقنع بادعاء المعرفة؛ حتَّى ادَّعى أنه شيخ شيوخها. وإذا عرفت هذا فنقول: حقٌّ على شيخ