هفوة العالم مستعظمة ... إذ بها أصبحَ في الخلق مثل
وعلى زَلته عُمدتهم ... فبها يَحتج من أخطأَ وزل
لا تقل: يستر على زَلّتي ... بل بها يحصل في العلم الخلل
إن تكن عندك مستحقرة ... فهي عند اللَّه والناسِ جبل
ليس من يتبعه العالَم في ... كل ما دقَّ من الأمر وجلّ
مثل من يدفع عنه جهله ... إن أتى فاحشةً قيل: جهلّ
انظر الأنجم: مهما سقطت ... من رآها وهي تهوِي لم يُبَل
فإذا الشمس بدت كاسفة ... وجَلِ الخلق لها كلَّ الوجل
وتراءت نحوها أبصارُهم ... في انزاعاجٍ واضطرابٍ ووجل
وسرى النقص لهم من نقصها ... فغدت مظلمةً منها السُبل
وكذا العالِم في زَلَّته ... يفتن العالَم طُرًّا ويُضِلّ
ومنهم فرقة سلمت من جميع ما ذكرناه، إلَّا أنه غلب عليها الطعن في أمَّة قد سَلَفت، والاشتغالُ بعلماء قد مضوا. وغَالِبُ ما يؤتي هؤلاء من المخالفة في العقائد؛ فقلَّ (أن ترى من الحنابلة) إلَّا ويضع من الأشاعرة. وهذا شخينا الذهبي كان سيِّد زمانه في الحفظ مع الورع والتقوى، ومع ذلك يعمِد إلى أئمَّة الإسلام من الأشاعرة، فيظهر عليه من التعصُّب عليهم ما ينفِّر القلوب، وإلى طائفة من المجسمة فيظهر عليه من نصرتهم ما يوجب سوء الظن به؛ وما كان واللَّه إلَّا تقيًّا نقيًّا، ولكن حمله التعصب، واعتقاده أن مخالفيه على خطأ. وقلَّ أن ترى أشعريًّا من الشافعية والحنفية والمالكية إلَّا ويبالغ في الطعن على هؤلاء، ويصرِّح بتكفيرهم وإذا كان الأئمَّة المعتبرة كالشافعيّ وأبي حنيفة ومالك وأحمد والأشعريّ على أنا لا نكفر أحدًا من أهل القبلة فلم هذا التعصُّب؟ وما لنا لا نسكت عن أقوام مضوا إلى ربهم، ولمْ ندر على ماذا ماتوا؟ وإن يُبْد لنا أحد بدعة قَابَلْنَاه، وأمَّا الأموات فلم تنبش عظامهم؟ هذا واللَّه ما لا ينبغي.
ومن الفقهاء فرقة متنسّكة تجري على ظواهر الشرع، وتحسن امتثال أوامر اللَّه تعالى، واجتنابَ مناهيه: إلَّا أنها تهزأ بالفقراء، وأهل التصوُّف، ولا تعتقد فيهم شيئًا، ويعيبون عليهم السماع، وأمورًا كثيرة. والسماعُ قد عُرف اختلاف الناس فيه. وتلك الأمور قلّ أن يفهمها من يعيبها. والواجب تسليم أحوال القوم