على ذلك؟ وأنا لم أنسَ الجميعع؛ فإنِّي أحفظ الفاتحة، وكثيرًا من القرآن غيرها. فقل له: أيُّها الفقيه، كلمة حق أريد بها باطل؛ إنَّ الشافعيّ لم يعن ما أردت، ولكلامه تقرير لسنا له الآن، ويخشى على من هذا شأنه المروق من الدين رأسًا. أخبرنا الحافظ أو العباس بن المظفر بقراءتي عليه، أنا أحمد بن هبة اللَّه ابن عساكر بقراءتي عليه، أنا الإمام أبو القاسم ابن الإمام أبي سعد عبد اللَّه بن عمر الصفَّار إجازة أخبرنا جدِّي الإمام عصام الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور ابن الصفَّار. قال: سمعت جدي يقول: سمعت الأستاذ أبا القاسم القشيري رحمه اللَّه يقول: سمعت الأستاذ أبا عليّ الدَّقاق يقول: من استهانَ بأدب من آداب الإسلام عوقبَ بحرمان السُنَّة، ومن ترك سنة عوقب بحرمان الفريضة، ومن استهانَ بالفرائض قيَّض اللَّه له مبتدعًا يوقع عنده باطلًا فيوقع في قلبه شبهة. قلت: وبلغنا أنَّ الإمام الغزالي أمّ مرة بأخيه أحمد في صلاة، فقطع أخوه أحمد الاقتداء به، فلمَّا قضى الصلاة سأله الغزالي، فقال: لأنك كنت متضمِّخًا بدماء الحُيض. ففكَّر الغزالي، فذكر أنه عَرَضت له في الصلاة فكرة في مسألة من مسائل الحَيْض. فانظر فهؤلاء أهل اللَّه الذين هم أعرف به منك أيُّها الفقيه، قد عرَّفوك أن ما تعتمده يجرُّك إلى الكفر، والعياذُ باللَّه.
ومنهم فرقة سلِمت من جميع ما ذكرناه، إلَّا أنها استهانت ببعض صغائر الذنوب؛ كالغيبة والاستهزاء بخلق اللَّه تعالى، ونحو ذلك، أو كان لها معصية ابتلاها اللَّه بها، فلم تستتر، وقالت: علمنا يغطي معصيتنا. وهذا جهل لا علم؛ فالصغيرة تكبُر من العالم، فإن هو تجاهرَ بها ازداد أمرها. والمعصية مع العلم فوق المعصية مع الجهل من وجوه. وإذا كان النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "من بلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بسِتْر اللَّه" الحديث، فالعالم أولى أن يستتر إن لم يرجع، فإنه قدوة. ولذلك كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلَّا على أشرف أحواله؛ خوفًا أن يقتدي به في سيئها، أو يسوءَ ظنُّه به فلا ينتفع به. فينبغي للعالم الكفُّ عن صغار المعاصي، وكبارها. فإن هو لم يكف فلا أقَّل من التستر؛ صيانة لمنصب العلم. وإلى هذا المعنى أشارَ الشيخ الجليل فتح الدين بن عليّ أبو منصور الدمياطي فأنشد لنفسه:
أيُّها العالم إيَّاك الزلل ... واحذر الهفوة والخَطْب الجَلَل