الملاحدة. والثاني ألَّا يمزج كلامهم بكلام علماء الإسلام: فلقد حصل ضرر عظيم على المسلمين بمزج كلام الحكماء بكلام المتكلمين، وأدَّى الحال إلى طعن المشبِّهة وغيرهم من رَعَاع الخلق في أصحابنا؛ وما كان ذلك إلَّا في زماننا وقبله بيسير، منذ نشا نصير الدين الطوسيّ ومن تبعه لا حيّاهم اللَّه.
فإن قلت: فقد خاض حجَّةُ الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازيّ فى علوم الفلسفة ودوَّنوها. وخلطوها بكلام المتكلمين فهلَّا تنكر عليهما! قلت: إنَّ هذين إمامان جليلان ولم يَخُض واحد منهما في هذه العلوم حتى صارَ قدوة في الدين، وضربت الأمثال باسمهما في معرفة علم الكلام على طريقة أهل السنَّة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. فإيَّاك أن تسمع شيئًا غير ذلك، فتضلَّ ضلالًا مبينًا. فهذان إمامان عظيمان وكان حقًّا عليهما نصر المؤمنين وإعزاز هذا الدين بدفع تُرَّهات أولئك المبطلين. فمن وصلَ إلى مقامهما لا ملام عليه بالنظر في الكتب الفلسفية، بل هو مثاب مأجور وأمَّا طائفة في زماننا هذا وقبله بيسير عكفت على هذه الحكمة المفتِنة من حين نشأت لا تدري شيئًا سواها، اشتبه عليها أقوال كفَّارها بأقوال علماء الإسلام، وتصرفت فيها بعقل خسيف لم يقم بكتاب وسُنَّة ولم يضيء له نور ببرهان من النبوَّات، ثم تعتقد أنها على شيء فتلك الفرقة الخاسرة الضالَّة المُضِلَّة وقد اعتبرتُ -ولا ينبئك مثل خبير- فلم أجد أضرَّ على أهل عصرنا وأفسد لعقائدهم من نظرهم في الكتب الكلامية التي أنشأها المتأخرون بعد نصير الدين الطوسي وغيرهم. ولو اقتصروا على مصنَّفات القاضي أبي بكر الباقلاني، والأستاذ أبي إسحق الإسفراييني وإمام الحرمين أبي المعالي الجُويني وهذه الطبقة لما جرى إلَّا الخير. ورأيي فيمن أعرض عن الكتاب والسُّنَّة واشتغلَ بمقالات ابن سينا ومن نحا نحوه، وترك قول المسلمين: قال أبو بكر، وقال عمر رضي اللَّه تعالى عنهما وقال الشافعي، وقال أبو حنيفة، وقال الأشعريّ، وقال القاضي أبو بكر، إلى قوله: قال الشيخ الرئيس يعني ابن سينا، وقال خواجا نصير، ونحو ذلك، أن يضرب بالسياط، ويُطاف به في الأسواق، ويُنادى عليه: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنَّة: واشتغلَ بأباطيل المبتدعين.
أو ما يستحي من يتَّخذ أقوال ابن سينا وتعظيمه شعارًا -من اللَّه تعالى إذا قرأ