للشافعي، وأبي حنيفة، والمدارس المزخرفة. فيؤدِّي ذلك إلى افتراق كلمتكم، وتسلّط الجهّال عليكم، وسقوط هيبتكم عند العامة، وقول السفهاء في أعراضكم ما لا ينبغي، فتهلكون السفهاء بكلامهم فيكم، لأنَّ لحومكم مسمومة على كل حال؛ لأنكم علماء، وتهلكون أنفسكم بما ترتكبونه من العظائم. ومنهن طائفة تبعتْ طريقة أبي نصر الفارابي، وأبي عليّ بن سينا وغيرهما من الفلاسفة الذين نشأوا في هذه الأمة، واشتغلوا بأباطيلهم وجهالاتهم، وسَمَّوها الحكمة الإسلامية، ولقّبوا أنفسهم حكماء الإسلام، وهم أحقُّ بأن يسمّوا سفهاء جهلاء من أن يسمّوا حكماء؛ إذ هم أعداء أنبياء اللَّه تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام، والمحرّفون لكلم الشريعة عن مواضعه. عكفوا على دراسة تُرَّهات هؤلاء الأقوام وسمَّوها الحكمة، واستجهلوا من عَرِي عنها. ولا تكاد تلقى أحدًا منهم يحفظ قرآنًا، ولا حديثًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولعمر اللَّه إنَّ هؤلاء لأضرّ على عوامّ المسلمين من اليهود والنصارى؛ لأنهم يلبسون لباس المسلمين، ويدّعون أنَّهم من علمائهم، فيقتدي العاميّ بهم، وهم لا يعتقدون شيئًا من دينِ الإِسلام، بل يهدمون قواعده، وينقضون عراه عروة عروة.
وما انتسبوا إلى الإِسلام إلَّا ... لصونِ دمائهم ألَّا تسالا
فيأتونَ المناكرِ في نشاط ... ويأتون الصلاة وهم كسالى
فالحذرَ الحذرَ منهم. وقد أفتى جماعة من أئمَّتنا ومشيختنا ومشيخة مشيختنا بتحريم الاشتغال في الفلسفة. وأمَّا المنطق فقد ذكرنا كلام الأئمَّة والشيخ الإِمام فيه في أوائل شرح مختصر ابن الحاجب. والذي نقوله نحن: إنَّه حرام على من لم ترسخ قواعد الشريعة في قلبه، ويمتلئ جوفه من عظمة هذا النَّبيّ الكريم وشرعته ويحفظ الكتاب العزيز، وشيئًا كثيرًا جدًا من حديث النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على طريقة المحدِّثين، ويعرف من فروع الفقه ما يسمَّى به فقيهًا، مفتيًا مشارًا إليه من أهل مذهبه إذا وقعت حادثة فقهية أن ينظر في الفلسفة. وأمَّا من وصلَ إلى هذا المقام فله النظر فيها للردِّ على أهلها، ولكن بشرطين: أحدهما أن يثق من نفسه بأنه وصل إلى درجة لا تزعزعها رياح الأباطيل، وشُبَه الأضاليل وأهواء