قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (?) ويذكر إنكار ابن سينا لحشر الأجساد، وجمعِ العظام.
ومنهم -أعني هؤلاء- فرقة ضمَّت إلى هذا القدر من الحكمة النظر في كتاب الكشاف للزمخشري في التفسير، وقالت: نحن متشرِّعون وعارفون بتفسير كتاب اللَّه تعالى. واعلم أنَّ الكشَّاف كتابٌ عظيم في بابه، ومصنَّفه إمام في فنِّه إلَّا أنه رجل مبتاع متجاهر ببدعته، يضعُ من قدر النبوَّة كثيرًا ويسيءُ أدبه على أهل السنة والجماعة، والواجب كشط ما في كتابه الكشاف من ذلك كله. ولقد كان الشيخ الإمام يقرئه، فلمَّا انتهى إلى الكلام على قوله تعالى في سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (?) الآية أعرض عنه صفحًا، وكتب ورقة حسنة سمَّاها "سبب الانكفاف، عن إقراء الكشَّاف" وقال فيها: قد رأيتُ كلامه على قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} (?)، وكلامه في سورة التحريم في الزلَّة وغير ذلك من الأماكن التي أساءَ أدبه فيها على خيرِ خلق اللَّه تعالى سيّدنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأعرضت عن إقراء كتابه حياءً من النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع ما في كتابه من الفوائد والنكت البديعة. فانظر كلام الشيخ الإِمام الذي برَّز في جميع العلوم، وأجمعَ الموافق والمخالف على أنَّه بحر البحار: معقولًا ومنقولًا، في حقِّ هذا الكتاب الذي اتَّخذت الأعاجم قراءته دَيْدَنَها. والقولُ عندنا فيه إنه لا ينبغي أن يُسمح بالنظر فيه إلَّا لمن صار على منهاج السنَّة لا تزحزحه شبهات القَدَرية.
ومنهم فرقة تَرقَّت عن هذه الفرقة وقالت: لا بد من ضمِّ علم الحديث إلى التفسير، فكان قصاراها النظر في "مشارق الأنوار" للصَّاغاني. فإن ترفَّعت ارتقت إلى مصابيح البغوي، وظنت أنها بهذا القدر تصل إلى درجة المحدِّثين. وما ذاك إلَّا لجهلها بالحديث. فلو حفظ من ذكرناه هذين الكتابين عن ظهر قلب، وضمَّ إليهما من المتون مثليهما لم يكن مُحدِّثًا، ولا يصير بذلك محدِّثًا حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط. فإذا رامت بلوغ الغاية في الحديث -على زعمها- اشتغلت بجامع الأصول لابن الأثير. وإن ضمَّت إليه كتاب علوم الحديث لابن