لأنَّ المصلحة في المجمع عليه أتمّ، فالعبادة فيه أكمل، وإن كان لا تقصير في هذا. الرتبة الرابعة: أن تحصل شبهة تمنع من غلبة الظن بأنَّ ذلك حكم اللَّه تعالى، فلا يحل الحكم. الرتبة الخامسة: أن يعتقد أنه خلاف حكم اللَّه تعالى، فلا يحل الحكم. وإن كان بعض العلماء قال به. الرتبة السادسة: أن يكون مجمعًا على أنه ليس بحكم للَّه تعالى، فلا يحلّ الحكم. وهذه المراتب الثلاث عدم الحِلّ فيها مرتب ترتيبًا لا يخفى. واعلم أنَّ المرتبة الخامسة والسادسة ما أظن أحدًا يُقدِم عليهما إن شاء اللَّه تعالى، والمرتبة الرابعة قد تكون عند قيام الشكّ ومخالجة الاحتمال. قد تسوّل لك نفسُك أو الشيطان أو أحد من الناس الإقدام على الحكم لغرض من الأغراض، ويسلّ عليك لأنَّك لم تجزم بالتحريم، فإِيَّاك أن تقدم على الحكم، فتدخل في قوله: وقاض قضى بالحق وهو لا يعلم فإذا كان الذي قضى بالحق وهو لا يعلم في النار فالذي قضى وهو لا يعلم والمقضى به متردّد بين الحق والباطل كيف يكون حاله؟ وفي هذه المرتبة تجد كثيرًا من إخوان السوء يسوَّلون لك الحكم، فإيَّاك ثم إيَّاك، واستحضر بقلبك غدًا يوم القيامة إذا انتصبَ الجبّار لفصل القضاء، وجيء بالنَّبيين والشهداء، وجيء بك يا مسكين، وأنت كالقمحة، بل كالذرة بين أرجل الناس بل أقلُّ من ذلك، وفي ذلك الموقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الذي أنت نائبه، وقد بلَّغك شريعته، وجبريل الذي نزل بها عليه، ورسل اللَّه تعالى وأنبياؤه وملائكته والصدِّيقون والشهداء كالسُرُج المضيئة في ذلك المشهد بين يدي اللَّه تعالى، وسألكَ اللَّه تعالى بغير واسطة بينك وبينه: لم حكمت في هذا الأمر؟ ومن بلَّغك عني هذا؟ ونظرت يمينًا وشِمالًا فلم تجد هنالك سلطانًا ولا أميرًا ولا كبيرًا ممَّن سوَّل لك ذلك الحكم، ورأيت نفسك غريبًا حقيرًا وحيدًا، ونظرتُ إلى النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو المقدَّم في ذلك المشهد العظيم الذي ترجو شفاعته، وقد حكمت بغير شريعته، كيف يبقى وجهك معه؟! أو كيف يبقى حالك عنده؟! وسائر الأنبياء والرسل والملائكة وأهل ذلك الموقف من الصالحين ينظرون إليك واللَّه تعالى ينظرك هل ينفعك ذلك الوقت أحد من أهل الدنيا أو مال أو جاه أو غير ذلك؟ كلا واللَّه لا ينفع فانظر يا مسكين هذا الموقف، فما علمت أنه بنجيك لا تستحى بسببه فيه، فافعله؛ وما سوى ذلك كن منه على حذر، ولو طلبه منك أكبر ملوك