عن المسلمين. ومن قبائحهم أنه إذا قطع السلطان إقطاع واحد منهم تسلَّط على قطع الطرقات وأذيَّة من لم يؤذه، وأخذ مال من لم يظلمه، ولا يتوقفون في سفك الدماء لأجل هذا الغرض. وبذلك يقابلهم اللَّه عزَّ وجلَّ. فلو أنَّهم صبروا واتَّقوا اللَّه لكان خيرا لهم. ولا يخفى ما في ذلك من الجرأة على اللَّه تعالى. وكثير من العرب لا يتزوجون المرأة بعقد شرعي؛ وإنَّما يأخذونها باليد، وربَّما كانت في عصمة واحد فنزل عليها أمير غيره، واستأذَنَ أباها وأخذها من زوجها. فهات قل لي: أيُّ ولد حلال ينتج من هذه؟ لا جرم أنهم لا يلدون إلَّا فاجرًا. ومن قبائحهم أنهم لا يورِّثون البنات، ولا يمنعون الزنى في الجواري، بل جواريهم يتظاهرن بالزنى مع عبيدهم. وكل ذلك من الموبقات العظائم.
القاضي: وقد استوعبتْ كتب الفقه ما يتعيَّن له وعليه. وخصَّ جماعة من الأئمة كتاب القضاء بالتصنيف. ونرى أن نخصّ هذا المكان بالتنبيه على الهدية فنقول: قبول الهدايا من أقبح ما يرتكبه القضاة، فلنسد بابها بالكلية. وقد علم أن مذهب الشافعي رضي اللَّه تعالى عنه أنَّه لا يجوز له أن يقبل الهدية ممَّن لم تكن له عادة أن يهاديه قبل ولايته القضاء، ولا ممَّن كانت له عادة ما دامت له حكومة. والمذاهب في المسألة معروفة. وأنا أعتقد أنَّه يحرم على القاضي قبول هدية من يُهدِي للقاضي في العرف ليستميل خاطره لقضاء أرَبه. وذلك يشمل كل من هو دون القاضي، ومن هو مثله ممَّن قد يحتاج إلى القاضي، وكثيرًا ممَّن هو فوقه. ويخرج بعض من هو فوق القاضي، كالملوك الذين يصل إلى القاضي إنعامهم، ولا يقصدون بذلك استمالة خاطره لقضاء حوائجهم عنده. فإن حوائجهم عنده إن كان ممَّن يراعيهم لا تحتاج إلى الهدايا؛ لما لهم من الجاه. وإلَّا فلا تفيد الهديَّة؛ فأقول: يحرم قبول هدية القسم الأول: كانت له عادة قبل القضاء أم لم تكن، كانت له حكومة أم لم تكن. ويجوز قبول هدية القسم الثاني بشرطين: أحدهما أن يجد القاضي من نفسه أن حاله لم يتغير في التصميم على الحق، وأنه قَبْل الهدية كهو بعدها. وهذا يتأتَّى في هدايا الملوك، ولا يتأتَّى في