وغيرها ممَّا يتعاناه أهل الثروة. وهذا فيمن قادَ الجنائب بالخُيَلاء. أمَّا من يقودها ليحمل ضعيفًا يراه في الطريق فهو حسن. وكذلك إذا قادها في الجهاد خشية أن فرسه تعجز. ومنها أن الجنديّ يقاتل ويخاطر بنفسه فيَقتل في الحرِب كافرًا، فلا يعطونه سَلَبه؛ والنَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أعطاهُ إيَّاه حيث قال: "من قَتَلَ قتيلًا فله سَلَبه". فيمنعونه ما أعطاه سيد الأولين والآخرين -صلى اللَّه عليه وسلم- ويفتّرون بذلك عزائم الجند؛ فإنَّ الجنديّ إذا عرف أنَّه يخاطر بنفسه فلا ينصَف فترت عزيمته. وحقَّ عليهم أن يعطوه سلَب المقتول. وهو ثياب القتيل ودرعه وسلاحه ومركوبه وسرجه ولجامه. وكذا سواره ومنطقته وخاتمه وما معه من النفقة، ومن جنيب يقاد معه على الصحيح. وإنَّما يَستحقُّ السلب مَن ركب الخطر لكفاية شر كافر في حال الحرب. فلو رَمَى من حصن، أو من الصف، أو قتل نائمًا، أو أسيرًا، أو قتله بعد انهزام الكفار، فلا سلب له. ولو لم يقتله ولكن أسره أو قطع يديه أو رجليه استحقَّ سَلَبه على الجديد؛ وخالفَ فيه الشيخ الإِمام.
الأجناد: فمن حقّ اللَّه سبحانه وتعالى عليهم وشكر نعمته اللطف بالفلاحين. فلو شاءَ اللَّه تعالى لَقَلَبَ الفلَّاح جنديًا والجندي فلَّاحًا. فإذا كان لا يشكر نعمة اللَّه تعالى على أن رفعه على درجة الفلاح فلا أقلّ من أن يكفي الفلاح شرّه وظلمه. وعليهم مصابرة العدوّ إذا التقى الجمعان. ولا ينهزم الجمع إلَّا عن أكثر من مثليه بما له وقْع؛ كانهزام مائة عن مائتين وخمسين. وأمَّا انهزامه عن مثليه كعشرة عن عشرين فلا يجوز، إِلَّا أن ينصرف متحرِّفًا لقتال أو متحيِّزًا إلى فئة يستنجد بها. وإذا طلب الكافر المبارزة استحبَّ لمن جرَّب نفسه الخروج إليه بإذن أمير الجيش. وعليهم تأذية الأمانة فيما حازوه من الغنائم، وامتثال أمر الأمير فيما لم يخالف الشرع، والتعاون والتناصر واجتماع الكلمة.
أمراء العرب في هذا الزمان: وهم الذين يظعنون وينزلون. وقد أنعمَ اللَّهُ تعالى عليهم بالأرزاق الوافرة، والإِقطاعات الهائلة، ليرفعوا أذاهم